Advertisement

لبنان

لوبون والنموذج اللبناني.. جماهير تعشق الزعيم ولو "جثة في نعش"!

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
15-08-2018 | 05:32
A-
A+
Doc-P-502746-6367056779016818575b73f31018b90.jpeg
Doc-P-502746-6367056779016818575b73f31018b90.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

لا نملّ من الحديث عن فضائح الفساد والمحاصصة واستثمار السلطة واختزال المؤسسات، لكن لا أثر لفاسدين أو حماتهم في أدبيات الخطاب السياسي!! تطفو على سطح الأحداث قضايا فساد كبيرة. كبيرة جداً، يَفترض المنطق السليم أنها كفيلة بزعزعة أسس النظام الذي يحميها، لكنها تمضي وكأن شيئاً لم يحصل. من يتذكر مرسوم التجنيس مثلاً، أو قضية زياد عيتاني، أو سرقة "داتا" المؤسسات، أو الأدوية المزورة وغيرها كثير في الصحة والأشغال والاتصالات والأملاك البحرية والهبات والقروض والتلزيمات؟

والواقع أن كل ذلك يقود إلى السؤال عمن يمنح الشرعية للطبقة الحاكمة في الاستمرار بفكفكة أسس الدولة، وانتهاب مقدراتها، وقطع طريق أي مبادرة للتغيير؟

بحسب شيخ المؤرخين ابن خلدون "فاز المتملقون" الذين هم أيضاً "سلاح الاستبداد" كما يقول عبد الرحمن الكواكبي. وهم الرعية التي تُعبّأ حيال بعضها البعض، وتُدفع للخروج ضد بعضها البعض. تُزيّن لها المآرب والغايات، وهي للمصادفة أمور تخدم مصالح الزعيم حصراً. وتغلّف هذه المضامين الهزيلة بورق صقيل من الشعارات والشعبويات القاتلة عن الموقع والدور والمصير والأطماع والصلاحيات.

الجماهير على جري عادتها التاريخية، ترفع زعيمها – ولو جثة في نعش – حتى عنان السماء، وربما تؤيده في قتل 12 مليوناً كما فعلت مع الفوهرر النازي، ثم للحظة تنساه وتبحث عن زعيم جديد!! الجماهير أرقام تقتل وتصدح وتهلل وتفعل كل شيء ليتصدر قتلتهم الجماعيون واجهة السلطة. الجماهير تمشي في جنازتها أو جنازة سواها على حدّ سواء، وتقاد مسرورة من جهة إلى جهة أخرى دون تساؤل.

هو عشق الاستتباع الدفين، وهو التنويم المغناطيسي للقطعان البشرية لتحقيق رغبات ومصالح الزعماء من دون السؤال عن الحقوق، فليس في برامج "القادة الخالدين" قضايا صغيرة تافهة كالفقر والحرمان والكرامة الانسانية والتعليم والحريات والتنمية والكهرباء والماء وغيرها، هؤلاء يريدون تحرير الكوكب وهداية الانسانية وربط الارض بالسماء وما دون ذلك تفاصيل لا تليق بهم. سبق للكواكبي أن صرخ محذراً أن "أخوف ما يخافه المستبدون أن يعرف الناس حقيقة أن الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزتها، والشرف وعظمته، والحقوق وكيف تحفظ، والظلم وكيف يرفع، والانسانية وما هي وظائفها"، ومثله فعل إريك فروم وبولس سلامة غوصاً في تشريح نفسية الجماهير الخضوعية، وحركتها وسلوكها وعُصابها.

في رائعة غوستاف لوبون (1841 – 1931) "سيكولوجية الجماهير" أن "للجماهير خصائص تميزها عن الأفراد، حيث تذوب الشخصية الواعية للأفراد، وتوجه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد... يخضع الجميع لقوة التحريض وتصيبهم عدوى انفلات العواطف، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل ويصبح عبارة عن انسان آلي ابتعدت ارادته عن القدرة على قيادته. الجمهور عبد للتحريضات التي يتلقاها، ولا يعبأ بأي عقبة تقف بين رغبته وتحقيق هذه الرغبة. سريع التأثر وساذج في الوقت نفسه وقابل لتصديق كل شيء". ويمضي ليقول "تتميز الجماهير أيضاً بالتعصب والاستبداية المحافظة، تقبل الأفكار أو ترفضها دفعة واحدة، وهي غير مهيأة لاحترام النزعات الأخلاقية كونها صاحبة نزوات وغرائز".

ويتحدث لوبون عن الجماهير الانتخابية "وهي غير متجانسة، ومن خصائصها ضعف التفكير العقلاني، وانعدام الروح النقدية، واتسامها بالنزق وسرعة الغضب، والسذاجة وسرعة التصديق، اضافة إلى تبسيط الأمور واستسهال اطلاق الاتهامات يميناً ويساراً"، وعلى الرغم من أن كتاب لوبون يعكس الحياة السياسية للمجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر، وخصوصاً الاضطرابات التي عاشتها فرنسا منذ ثورة 1789 وما تبعها من تحولات دراماتيكية إلا أنه أثار قضايا شديدة الحساسية والأهمية في تحليل نفسية الجماهير التي لا تحاسب، ولا تقبل الإصلاح، أو لا ترغب به، وتنقاد مستسلمة صاغرة راضية لإرادة الزعيم الذي يمعن في جلدها واحتقارها.

تُرى هل كان غوستاف لوبون يتحدث عن النموذج اللبناني دون أن يدري؟

تقول الرواية إن الزعيم المصري سعد زغلول سمع وهو على فراش الموت صرخات الجماهير تهتف بحياته، فنظر إلى زوجته السيدة صفية وأطلق مقولته الشهيرة "غطيني يا صفية.. مفيش فايدة". ويستذكر صديق عاصر الشيخ بيار الجميل الأب تكراره المثل مقلوباً "عالج لا تفالج".. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك