Advertisement

لبنان

في الطريق إلى الانهيار.. ماذا بعد؟

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
03-10-2018 | 03:18
A-
A+
Doc-P-515782-636741600633947256.jpg
Doc-P-515782-636741600633947256.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تفوح رائحة فضيحة أم ما شابهها. لكن اللافت إلى حدّ التعجب هو ذلك الترف السياسي الذي تعيشه الطبقة الحاكمة ولا يتناسب أبداً مع حجم المخاوف وضخامة التحديات التي تواجه البلد في السياسة والاقتصاد والمال والخدمات وسوق العمل.
Advertisement

من المطار وصراع الأجهزة إلى كيديات الإدارة العامة، ومن الكهرباء والمحارق إلى التوظيف العشوائي وسرقة داتا الدولة ومراسيم التجنيس، ومعهم جميعاً البطالة وأزمة الإسكان وتراجع الحريات، وما بين هذا وذاك كلام يتعاظم بشكل يومي عن انهيار مالي وشيك. تراجع لامسَ القعر، وبات ينذر بالانهيار الحتمي. انهيار لا يتجسد بأداء مجموعة تتحكم بزمام السلطة منذ ما بعد الحرب، بل يطال القيم والمفاهيم والأعراف، في الدستور والقانون والإدارة والمجتمع والجامعات والبيئة، ولا نبالغ إن قلنا إنه توسّع وبات يشمل الأخلاقيات العامة وبعضاً من الإعلام ومنظومات قيمية أساسية ومفهوم الشأن العام.

تراكم المشكلات والتراجعات والتحديات الكبرى التي تواجه لبنان اليوم، ومعها انسداد أفق الحلول الداخلية، وما يرافقها من انهيارات وطنية وتهديدات خارجية، ناهيك عن فشل اعتماد سياسات جادة لمكافحة الفساد كمدخل لاستمرار المساعدات الخارجية وحصر تداعيات الفجوة الآخذة بالتوسع داخلياً، كل ذلك يفرض أسئلة جوهرية حول مدى إمكانية وقف التراجع، فضلاً عن اجتراح الحلول العلاجية. لكن عبثاً نحاول البحث عن حلول خارج إطار الإجابة الجادة والموضوعية عن السبب الحقيقي للانهيارات القائمة.

وفي السياق، يمكن الإشارة إلى اتفاق يقارب "التواطؤ" بين قوى السلطة على عدم الالتزام بطبيعة النظام السياسي، أو احترام الاستحقاقات من خلال تطبيقها استنسابياً أو بشكل مجتزأ، حتى بات الالتزام بالدستور هو الشواذ وتخطيه هو القاعدة، ثم قوانين الانتخاب الهجينة والمكرّسة للواقع الفاسد، وتحويل الإدارة العامة إلى ثقب أسود كبير، محشوّ بالأزلام والمحاسيب وباباً للانتهاب "المقونن" للمال العام، وتعاظم الدين العام بشكل جعل منه غولاً يلتهم معظم واردات الخزينة، وما بقي منها يذهب لمزرعة النهب ورواتب موظفين جلّهم لا يعمل، وتدمير البيئة والثروات الطبيعية، والإكثار من الهندسات المالية التي تخدم كارتيلات معينة، من دون الالتفات إلى الطبقات الوسطى والفقيرة، وتعطيل القطاعات الانتاجية، وتدمير الضمان الاجتماعي ووقف قروض الاسكان.

ومنها أيضاً تكريس المنطق الطائفي واستعادة لغة التحريض المبطن في الإدارة العامة، وتراجع النظام التعليمي، من خلال التدمير الممنهج للتعليم الرسمي على مختلف مستوياته، وتركه من دون تحديث أو تطوير في بناه التحتية وإداراته وموارده البشرية ومناهجه، بشكل ألزم معظم العائلات إلى أحضان التعليم الخاص، الأساسي والجامعي، ومزاجية أصحابها، وذلك يحتاج إلى مراجعة نقدية شاملة، توازن بين تحديات عالم اليوم وحاجيات سوق العمل... باختصار "لا قاعدة ثابتة في النظام اللبناني إلا التقاسم الطوائفي.. لسنين حكمت فكرة "الديموقراطية التوافقية" (التي لم يهضمها دعاتها)، في تأليف الحكومة حتى اقتربنا من النظام المجلسي، حيث الحكومة برلمان مصغر ولا فصل حقيقياً للسلطات، ثم بعد كل ذلك يعود الحديث عن حكومة أكثرية!" يقول طارق متري.

الواقع أن المسألة أكثر تعقيداً، فلقد "أدّى التنظير السياسي حول "الديموقراطية التوافقية" و"حكومات الوحدة الوطنية" إلى تعطيل دور المعارضة، وإلى ضرب أسس الديموقراطية في لبنان" بحسب الكبير حسن الرفاعي، وكل ذلك جعل من الحكم جوائز ترضية، إلى نشوء دولة على حساب الدولة، واستشراء الفساد وصولاً إلى الاصطفافات الطائفية وتقديم حقوق الجماعات الطائفية على حساب حقوق المواطنين، وصولاً إلى كارثة اعتماد قانون انتخاب يشتت صوت الناخب بحجة نسبية مزعومة، وصوتٍ تفضيلي طائفي.. وكل ذلك أوصل إلى النهاية المأساوية القائمة التي لا تنفع معها كل التطمينات الإعلامية التي لا تغير واقعاً ولا تبدد هواجساً. ليست مصادفة أن الانتخابات انتهت، ومعها تبخرت كلّ وعود الإصلاح ومكافحة الفساد وتحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي، وعاد الكل إلى مربعاتهم السياسية والحزبية والطائفية.. إنها ثقافة الفوضى وتقاسم الحصص وتناتش الصفقات وما تبقى من شيء كان اسمه الدولة.

لقد بات لزاماً إجراء مراجعة شاملة وعميقة لكل السياسات، الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والثقافية والتعليمية والتنموية، التي تحكم البلد منذ عقدين أو أكثر، وقبلها جميعاً معنى مرجعية الدولة والمواطنة وسيادة القانون، هل نشهد لحظة يعبّر فيها كل المستائين، نخباً وطبقات عاملة، من فساد أهل السلطة عن رأيهم، ويرفعون الصوت لقلب الصفحة السوداء؟

باختصار، ليست المشكلة في فساد طبقة سلطوية معينة، بل في منظمة شاملة تؤمن استمرارية بعضها بعضاً، وما يجري هو نهاية طبيعية لفكر المزرعة، ونتيجة حتمية لصمت الشعب المطبق عن حقوقه.

نحن بحاجة لورشة وطنية لإستعادة معنى الدستور والميثاق والقانون والمواطنة والحريات والتنوع الثقافي ودورة الانتاج ودور المرأة ومكافحة الفاسد بشكل حقيقي لا كلاماً وشعارات انتخابية. ثمة كثيرين، كثيرين جداً، لا يزالون يحلمون بوطن لهم وأبنائهم لا تخنقه سموم التلوث، السياسي والبيئي، ولا يتحدد على قياس مصالح طبقة أو حزب أو مجموعة، والعين على لحظة تمردّ هؤلاء.   




المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك