Advertisement

لبنان

ذكرى 11/11 ودروس الحرب العالمية الأولى

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
11-11-2018 | 05:28
A-
A+
Doc-P-527105-636775362686730014.jpg
Doc-P-527105-636775362686730014.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
في مثل هذا اليوم، قبل مائة عام، 11 – 11- 1918، وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، بعد أربع سنوات طاحنة (1914 – 1918) خلّفت عشرات ملايين الضحايا والجرحى والمفقودين. حربٌ لم ترحم وانتهت بعد أن مزقت أجساد وأحلام الملايين من ضفتي المتقاتلين، ومزقت معهم إمبراطوريات ودولاً وتحالفات ومحاور، وغيرت، إلى أجل، مفهومي الحرب والسلم العالميين، ومفاهيم حقوق الإنسان والدولة الوطنية وتوزع مناطق النفوذ، وفرضت نتائجها معادلات لا تزال موضع تأمل واحتفاء حتى يومنا هذا. 
Advertisement
  
سميت تلك الحرب عالمية، لأسباب عدة، منها: اتساع الرقعة الجغرافية للمناطق التي شهدت المعارك والموزعة على العديد من الجبهات والقارات، والسبب الثاني، بسبب العدد الكبير من الدول التي شاركت فيها، موزعين على تحالف إمبراطوريات وسط أوروبا (ألمانيا، النمسا، المجر، بلغاريا والإمبراطورية العثمانية)، وتحالف ثلاثي ضم فرنسا وإيطاليا وروسيا، الذين انضمت إليهم لاحقاً الولايات المتحدة الأميركية والبرتغال وصربيا. ويمكن اضافة سبب ثالث لوصفها بالعالمية، وهو العدد الهائل لضحاياها من العسكريين والمدنيين إذ بلغ 38 مليون إنسان، وهو الرقم الأكبر من بين حرب التاريخ. أما نتائج تلك الحرب التي انتهت بتوقيع اتفاقية هدنة بين وفدين عسكريين، فرنسي وألماني، فبروز خارطة عالمية جديدة، فثلاث امبراطوريات انهارت، وأعيد رسم الحدود ومناطق السيطرة في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وفتت الخلافة العثمانية، وظهرت "عصبة الأمم" كياناً أممياً لمراقبة وحفظ السلام الدولي، كما تضخم النفوذ الأميركي وظهرت أول نظام شيوعي في روسيا.. لكن كل ذلك لم يكن كافياً للتعلم من أهوال الحرب.. بل مهّد الطريق للحرب العالمية الثانية.

في الذاكرة، الذاكرة الألمانية الجماعية تحديداً، ترتبط تلك الحرب بشكل رئيسي بالنزاع مع فرنسا، بحرب المواقع والخنادق على الجبهة الغربية، كما يرتبط أيضا بمعاهدة فرساي للسلام، التي اعتُبِرَت في ألمانيا مهينة ومذلة، وقادت مساراً تاريخياً أوصل إلى حروب هتلر الانتقامية في الحرب العالمية الثانية، لكنها أيضاً أوصلت إلى المصالحة التاريخية الألمانية – الفرنسية بين ديغول وآديناور ثم بين فرانسوا ميتران وهيلموت كول، ولاحقاً إلى الوحدة الأوروبية بعد جهود كبيرة، في السياسة والفلسفة والاجتماع، لضمان عدم تحول الاختلافات القومية والدينية واللغوية إلى خطوط فاصلة بين الدول وتطويرها إلى إعلانات صداقة أو تفاقمها إلى إعلانات عداء.

بعد مائة عام، الحرب العالمية الأولى تبدو مجرد ذكرى لمرحلة تاريخية مكتملة الفصول، وإذا كانت الأزمات التي نشأت بعدها، وخصوصاً فيما يتصل بالعالمين العربي والاسلامي، ما تزال حاضرة وهي تشكل فتيل تفجير حتى يومنا هذا، فإن في إرثها ونتائجها ما هو مدعاة تأمل، فإلى جانب مصالح القوة والهيمنة والسيطرة خارج الحدود، برز تيار فلسفي يرى في ثقافة التذكر منجاة من الحروب، وفي تحويل مشاعر الاستياء والغضب والانتقام قيماً للحق والسلم والتنوع، مدخلاً لتأسيس دول الحق والحريات والمواطنة.

الحروب، مثل التي يتذكرها العالم اليوم، من الماضي، وهكذا يجب أن تكون،  لكن لا شيء يؤكد أو يضمن أن الدول المؤثرة لن تعود لمثلها. صحيح أن العالم تغير ومعه مفهوم الحرب، لكن ذلك لا يسري على "الحروب الجديدة" التي تحدث على هامش وأطراف مناطق الرفاه والنفوذ والمصالح وعلى مرآى ومسمع من القانون الدولي، وهي مرشحة بقوة لأن تصل إلى المراكز. 
من دروس الحروب العالمية، أن ثقافة التذكر مهمة ومفيدة، وهي لا تقود إلى النسيان فحسب، بل إلى المسامحة وبناء المستقبل. وفي ذلك قمة التواضع والعظمة. 
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك