Advertisement

لبنان

نجيب ميقاتي: معجزة التوفيق بين الوطن والطائفة

Lebanon 24
14-12-2018 | 04:04
A-
A+
Doc-P-537311-636803824283831600.jpg
Doc-P-537311-636803824283831600.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

عادت عجلة التشكيل الحكومي إلى البداية مع المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، سعياً لحلحلة العقد التي تعتري طريق الرئيس المكلف سعد الحريري. وليس مفهوماً ما هي الأسس التي تقوم المبادرة الجديدة عليها بعد انسداد آفاق تشكيل أول حكومة بعد انتخاب مجلس نيابي جديد، مضى عليه أكثر من ستة أشهر، ولم تفضِ المساعي إلى أن ترى الحكومة الجديدة النور.

محاولة التشكيل الأولى بعد الانتخابات النيابية عادة ما يفضل أن تكون حكومة "وحدة وطنية"، وقد اعتمدت لهذه الغاية، قاعدة إعطاء كل قوة وصلت إلى المجلس النيابي، عددا من المقاعد الوزارية المتناسبة مع حجمها انتخابيا، والمتمثل بعدد المقاعد النيابية التي حققتها كل قوة، أو تكتل، أو تيار.

القاعدة "الطوباوية" بإعطاء كل قوة حسب حجمها، في بلد متعدد المشارب الداخلية، من أحزاب وكتل، وطوائف، ومذاهب لم تثمر تأليفاً سريعاً. لا بل دخل البلد معها في أزمة تأليف غير مسبوقة، إذ يناهز التكليف ما يزيد على السبعة أشهر، ولا تبدو في الافق علامات قريبة للتشكيل.

من أبرز أسباب تعطل التشكيل حتى اليوم تمسك كل طرف بأكبر عدد من المقاعد، ومحاولات تشويه دستور "الطائف"، والخروج على قواعده، خصوصا ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة التي لم تكن منة من أحد، إنما اتفق كافة الأفرقاء اللبنانيين عليها كدستور جديد لبلادهم.

بعض الأطراف طالبت بتمثيل أكثر من حجمها، وهنا برز موقف لافت هادئ طرابلسي الهوية، هو الرئيس نجيب ميقاتي الذي طلب إعطاء كتلته حصة تمثيلية خصوصاً بعد تحقيقه فوزاً كاسحاً في طرابلس في الانتخابات النيابية، ودخوله المجلس بكتلة من أربعة نواب، كلهم من مدينته، مما يعطيه حق التمثيل الفعلي للمدينة التي وهبته نسبة كبيرة من الأصوات التفضيلية تقدمت بعشرات آلاف الأصوات عن الفائز التالي، ورغم ذلك، آثر الرئيس ميقاتي عدم وضع العراقيل أمام دواليب التأليف، فلم يطالب إلا بمقعد واحد مراعاة وتسهيلاً في آن معاً.  

وإذ بدا الرئيس ميقاتي مؤخراً متمسكا بالحصة التي طالب بها، والتي وعده الرئيس المكلف بتحقيقها، فهي لا تعرقل التشكيل كونها تشكل الحد الأدنى المقبول من أي طرف، ولذلك لم تكن مطالبته بوزير واحد، وتمسكه بالتمثيل بمقعد واحد، عقدة أمام التأليف، طالما هي من بديهيات الأمور التي لا يختلف عليها اثنان. ومن هنا، يعتبر تمسكه بهذا المقعد الوحيد، حق مكتسب في ظل ما اتفق عليه أن تكون الحكومة العتيدة الجاري العمل على تشكيلها هي حكومة "وحدة وطنية"، ومن هنا أعلن الرئيس ميقاتي بعد آخر لقاء بينه وبين الرئيس بري انه طالما أن المتفق عليه هي حكومة "وحدة وطنية"، فلا بد من حصة لما جرى تحقيقه من تمثيل في الانتخابات، ومقعد واحد ما هو إلا الحد الأدنى الذي لم تترافق المطالبة به بأية شروط، مثل تحديد اسم معين، او مقعد حكومي معين، وبذلك يترك للرئيس المكلف حرية التصرف دون إحراج، لا بل يسهل له التأليف.

وهذا الموقف ليس غريبا على الرئيس ميقاتي الذي أبدى حرصه الدائم على مصلحة البلد، ووضع هذه المصلحة في أولى خياراته، فطالب بعدم التباطؤ بالتشكيل، داعيا المعرقلين المتشبثين بحصص صغيرة من هنا، وأخرى من هناك، إلى الكف عن إلحاق الضرر بالبلد من أجل مصالح ضيقة، حيث أن البلد لم يعد يحتمل المزيد من التعقيدات في ظل الأزمة المتفاقمة التي يعيش على المستويات المختلفة، خصوصا الاقتصادية، والاجتماعية منها.

وعلاوة على ذلك، تميز الرئيس ميقاتي بحرصه على أمرين في آن، كأنه يحقق معجزة الجمع بين نقيضين، وذلك في حرصه على عدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة، من باب حرصه على تمثيل طائفته، أولا، وعدم التلاعب بالدستور ثانيا، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فهو حرص في ظل الدفاع عن موقع الطائفة، على الوحدة الوطنية كأساس لمصلحة لبنان، فأكد على أن التشكيل الحكومي منحصر في موقعين، رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، وقدم مثلا فذا عن ذلك بتشبيهه "تشكيل الحكومة بخزنة لها مفتاحان، مع فخامة الرئيس ودولة الرئيس، وبالتوافق بينهما، وليس بالخلع.. ولا بالقوطبة.. والتشكيل لا يتم سرقةً، بل هو عمل مشرف ضمن ما يراه الاثنان مناسبا بوعيهما الوطني، ولذلك بات مفروضا تسهيل التشكيل من دون مكابرة".

موقف الرئيس ميقاتي، التوفيقي الجامع، لم يسبق لأي طرف أن خرٌجه، بأسلوب دبلوماسي راقٍ ينم عن بعد نظر، وحنكة سياسية تجمع بين مصلحة الطائفة ومصلحة الوطن في آن، خصوصا لجهة الحفاظ على الدستور الذي، لو انتهك، لأعاد البلد إلى أجواء الحروب الأهلية التي طالما كانت مدمرة وقاتلة، ولم تجنِ للبنان إلا الويلات، وهذا ما لا يريده الرئيس ميقاتي، ولم يمارس ما من شأنه تأجيج الصراعات الداخلية. ربما تكوين كتلته المتنوع طائفيا، ومذهبيا، جامعا بين السنة والموارنة والأرثوذكس والعلويين في تكتل واحد، خير دليل على النزعة التوفيقية  للرجل التي من دونها لا يمكن للبنان أن يعيش ويستمر، ولا يتوافر هكذا موقف، ولا هكذا حالة مع غيره من الزعامات الوطنية.

 

(الدكتور محمد أدلبي – باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية)

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك