Advertisement

لبنان

ما بين "بحر" ضبية وطوفان "الغدير".. "نورما" بريئة ولكن!

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
09-01-2019 | 05:13
A-
A+
Doc-P-544621-636826327617264316.jpg
Doc-P-544621-636826327617264316.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

لم يغرق لبنان من شماله إلى جنوبه، تحت الثلوج والأمطار والسيول، بفعل العاصفة التي بلغت ذروتها أمس. لأنه، ببساطة، غارق منذ زمن بعيد في الإهمال والتقصير والعجز.. وواقع تحت منخفض خدماتي مزمن لم يعدّل فيه تعاقب العهود والحكومات والمسؤولين والبلديات والأحزاب شيئاً فجاءت "نورما"، ومن قبلها عواصفَ وأَنواءٌ عديدة لتكشف بعضاً من فسادهم في عدم تحمل المسؤولية وغياب الشفافية والرقابة والمحاسبة، غياب الدولة الذي انكشف ما بين "بحر" فاصل ضبية وطوفان "غدير" حي السلم.

Advertisement

يُفترض وفق المنطق الطبيعي أن تكون "نورما" بشرى خير تعوّض ميزان المتساقطات الذي كان تراجع كثيراً خلال السنتين الأخيرتين، وهي أعادت الثلوج إلى الجبال بشكل يبشّر بموسم تزلج ينعش حركة السياحة المتعثرة أصلاً  كجزء من التأزم الاقتصادي العام، وتغذي الأنهار والآبار الجوفية التي جفّت منذ الصيف الفائت.. لكن في لبنان تستحيل النِعَمُ، غالباً، كوارث وأضرار وحوادث، بفعل اهتراء البنية التحتية وغياب الصيانة الدورية للطرقات وقنوات التصريف وصولاً إلى ما هو أكبر وأعظم. هكذا كشفت العاصفة عَوَارَ الدولة وترهلها وفسادها وأكذوبة المشاريع والانجازات والتلزيمات.. ثمة أنفاق استغرق العمل عليها عشر سنوات لم تصمد سوى ساعات قليلة أمام المطر فاستحالت شلالات وأنهاراً بسبب الفساد!!

في لبنان، ولفساد متأصل ومتجذر، تكفي دقائق من المطر كي تتحول الشوارع والساحات والجسور والأنفاق والأزقة الى برك وبحيرات وسجون ومصائد مفتوحة، تحتجز الناس وتغرق البشر وتعطل دورة الحياة. والمصيبة لا تنتهي هنا، فالبلد الذي يعاني أصلاً من انقطاع الكهرباء (حتى قبل العاصفة) ما إن تهب أولى النسمات والقطرات حتى تُغرق الظلمات الأمكنة والقرى بفعل الصيانة شبه المنعدمة لشبكات التوزيع والتي تتعطل عند أول هبوب للعواصف! هكذا هي حال البلد في كل وجوهه ومرافقه، يغرق بشبر ماء فيما المسؤولون يتولون إغراقه بالحديث عن "الانجازات". لا يمكن تصور أو وصف الركاكة والهشاشة التي تطبع كل شيء، تبلّدٌ واستسلامٌ مطلق أمام الواقع غير الطبيعي. عاصفة تغرق البلد الغارق أصلاً في مهاترات لا تُسمن ولا تُغني من تنمية أو رفاهية أو حكم رشيد. بلد ينتهج التسويات الظرفية طريقة عمل، بديلاً عن السياسات العامة كمنهج للإدارة والحكم والتخطيط.

قيل الكثير عن "نورما" وأخواتها، وعن الفساد الذي كشفته، لكن مع ذلك ثمة ملاحظتين يجب التوقف عنهما:

أولاً: كانت العاصفة مناسبة لإعادة تظهير مأساة النازحين السوريين الذين غرقت عشرات من مخيماتهم تحت الثلوج والأمطار في عرسال وبر الياس وحوش الحريمة والمنية وساحل الشوف ومداخل صيدا وغيرها. مأساة تعكس الفوضى اللبنانية الكاسحة، وتفضح غياب الرؤى والسياسات، من أهل السلطة ومن أولئك الذين هبطت عليهم الإنسانية على وسائل التواصل الإجتماعي، وغدوا فجأة يرشحون عاطفة ونفاقاً يتجاوز كل نقيصة.

وطالما الشيء بالشيء يذكر، فما عانى منه النازحون في مخيماتهم، تجرعته آلاف العائلات اللبنانية في القرى المحاذية للنهر الكبير في عكار وأعالي الضنية والعرقوب وشرق بعلبك وراشيا وغيرها، صدفَ أن حي السلم واوتستراد ضبية قريب من مؤسسات الإعلام المرئي فهرعت لتغطية الحدث بشكل مباشر ولساعات طويلة، لكن ما لم تسجله الكاميرا في مناطق عديدة أكبر وأفظع بكثير.

ثانياً: أمام طوفان عجز الدولة، لا بدّ من كلمة شكر كبيرة، مدوية لعناصر قوى الأمن الداخلي ومتطوعو الدفاع المدني والصليب الأحمر الذين كانوا على الطرقات يلملمون بأجسادهم وأياديهم وما تيسر من معدات ما يمكن لملمته من آثار وتداعيات ما جرى. لهؤلاء تحية بحجم إعصارٍ قطبي.

قبل "نورما" ومعها وبعدها، لا مناص من القول أن لبنان يعاني انسداداً كبيراً في المبادرات والخيارات يجعل من مجرد الحلم بالتغيير أمراً مستحيلاً في بلد ركّبت كل تفاصيله وفق متوالية مدروسة تحكم مصالح طبقة سلطوية استطاعت تسخير مقدرات البلد لمصالحها بحجج وذرائع شتى. السلطة الحاكمة تنأى بنفسها عن كل المسؤوليات والقضايا والواجبات، لا همّ لها إلا حماية مصالحها وتأبيد وجودها في جنة الحكم، تنتفض لأمور ثانوية ولا تعنيها كرامة المواطن ورفاهيته.. لكن على اللبنانيين المتأذين أن يدركوا أن العالم يتغير، يتغير بسرعة، حتى في أعتى الديكتاتوريات وأقوى الأنظمة، ولا مكان للأبدي والمعصوم. في لبنان قد تكون المشكلة الأكبر هي عدم الثقة بالنفس والبلد والمستقبل، وعدم الاقتناع بالقدرة على التغيير.. وهنا بداية "الانفراج".

تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك