لافتة في توقيتها زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبيروت، غداة تأليف الحكومة وقبل أن تنال الأخيرة ثقة المجلس النيابي، وبعد كلام الأمين العام لـ"حزب الله" عن عرض إيراني للجيش اللبناني بمساعدته بمنظومة دفاع جوّي إيراني.
مسارعة إيران لإحاطة لبنان بالمباركة الحكومية، تشبه تهنئتها لحلفائها بالفوز غداة الإنتخابات النيابية، بحيث نستذكر كلام القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يومها بأنّ لبنان على موعد مع حكومة مقاومة. فهل تحاول إيران عبر ظريفها أن تستثمر ما تسمّيه " انتصارها " في بيروت وتظهر كعرّابة التأليف ؟ وكيف يمكن للدولة التي تواجه أقسى العقوبات الإقتصادية أن تسعف لبنان بطاقة كهربائية من هنا ومساعدات طبية وعسكرية من هناك؟ والأهم ما ثمن هذه المساعدات؟ وهل بمقدور لبنان أن يتحمل تداعيات تسعير الكباش الدولي بين طهران وواشنطن ومحاولة كل فريق دولي أو إقليمي أن يقوده إلى صفّه في مواجهة الجبهة المقابلة؟
بوصول رئيس الدبلوماسية الإيرانية بيروت، تسجّل إيران اسمها في قائمة الدول التي هنأت لبنان بحكومته على أرضه، وبطبيعة الحال مقاربات الزيارة وأهدافها تتخطّى التهنئة على أهمية رمزيتها. واستنادًا إلى عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" الدكتور مصطفى علوش، تحاول إيران توسيع مروحة حلفائها، في هذا التوقيت بالذات حيث تواجه ضغوطات دولية ، جعلتها معزولة عمليًا، لاسيّما بعدما تبيّن أنّ الروسي ليس حليفًا لها في سوريا في حين أنّ الدول الأخرى لا تملك تأثيرًا حقيقيًا .
ورأى علوش في حديث لـ "لبنان 24" أنّ ظريف يزور لبنان معتبرًا هذا البلد مستعمرة إيرانية ويأتي ليتفقد الرعية، أيّ "حزب الله"، وربما سيكمل العرض الذي تحدث عنه نصر الله.
جدول الزيارة يشمل لقاءً مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ونظيره جبران باسيل، في حين أنّ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري سيغيب عن مشهد الزيارة الإيرانية بسبب وجوده في دولة الإمارات العربية المتحدة مشاركًا في القمة العالمية، وهو تزامنٌ قد يبدو ملائمًا للحريري، وفي هذا السياق يقول علوش "لا أعرف إذا كان الأمر محض صدفة أو مقصود"، ولكنّه في الحالتين يجنب الحريري إحراجًا لا سيّما وأنّ المجتمع الدولي ينتظر من لبنان الإلتزام بسياسة النأي بالنفس، كما أنّ الدول الخليجية لم تسارع للترحيب بحكومة لبنان، لا بل تعاملت بفتور مع خبر التأليف، إلى أن تمّ الإعلان عن زيارة مستشار الديوان الملكي نزار العلولا لبيروت بعد ظريف. فهل الزيارة الأولى استدعت الثانية ؟ وهل تسعى السعودية لإحتواء هذا التوظيف الإيراني ؟
يجيب علوش بتأكيد هذه المقاربة "المنطقة تشهد مواجهة قائمة بين الدول العربية وعلى رأسها الخليج العربي من جهة وبين إيران من جهة ثانية، ولكن باعتقادي الزيارات ليست كافية لتؤكّد دول الخليج دعمها للبنان وللخط المواجه لإيران، لا بل هناك حاجة لأكثر من ذلك، هناك حاجة لدعم جدّي للبنان كي لا تُترك المسألة للمتاجرة عبر تقديم عروض إيرانية بتأمين الطاقة الكهربائية أو مساعدات طبية أو عسكرية، فلا يجب ترك لبنان للتوظيف الإيراني بهذا التوقيت ،خصوصًا أن إيران هي من تحتاج المساعدة في ظل العقوبات والضغوطات".
تدرك إيران أنّ لبنان الذي رفض عرضها السابق بتسليح جيشه بمواجهة التنظيمات الإرهابية لن يقبله اليوم بعدّما سجّل انتصارًا على تلك التنظيمات، خصوصًا وأنّ الولايات المتحدة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تمدّ الجيش اللبناني ببرنامج تسليح وتدريب، وأيّ تسليح إيراني سيحرم لبنان المساعدات الأميركية. من هنا يقول علوش "كلام نصر الله عن عرض إيراني للتسليح هو كلام للإستهلاك المحلي فقط، وبهدف حشر الآخرين، ومن باب القول إنّنا قدمنا المساعدة ورفضتموها، بحيث يدرك الأمين العام لـ"حزب الله" أنّ التحالف مع إيران أو الذهاب إلى أيّ مشروع أمني سياسي عسكري أو اقتصادي بهذه اللحظة بالذات، هو بمثابة الحكم بالإعدام على لبنان وعلى وضعه الإقتصادي، لذلك لن تتجاوب الحكومة مع العروض الإيرانية ".
في أيّ حال لا يمكن فصل زيارة رأس الدبلوماسية الإيراينة عن كلام سليماني بأنّ "لبنان على موعد مع حكومة مقاومة". فهل وُلدت الحكومة المقاومة السليمانية واستدعت حضور العرّاب ؟
هذا الكلام الإيراني لسليماني لا يعدو كونه مكابرة بنظر علوش "فليقل لنا مقاومة من؟ في حال أردوا المقاومة بمواجهة اسرائيل، فالأرض مفتوحة أمامهم في سوريا، بحيث لا يبدو أي أثر للمقاومة هناك، وبالتالي هذا الموقف مجرد كلام إعلامي ولا انعكاس عملاني له. كما أنّ الحكومة اللبنانية هي حكومة إئتلافية، تضم أفرقاء يريدون إدارة البلد وهم حريصون على استقراره ولا تعنيهم حسابات المقاومة تلك ، وتضم كذلك أفرقاء تهمهم كيفية تأمين مصالحهم، أما الكلام عن حكومة مقاومة فهو مجرد أوهام في هذه اللحظة ".
وبعيدًا عن كل تلك الحسابات المعقّدة هناك عائلة لبنانية تعاني منذ أيلول 2015 جرّاء خطف ابنها نزار زكا في طهران، بأسلوب يفتقد إلى الظرافة بحيث تمّ استدراجه بتوجيه دعوة رسمية له من الحكومة الإيرانية وقبع هناك في سجونها ولا زال، وإثبات حسن النوايا يبدأ بالإفراج عن زكا، لا سيّما وأنّ صحته لم تعد تحتمل، وهو الذي بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام قبل أسبوع .