Advertisement

لبنان

السلطان سليم وقصة إبريق الفساد

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
13-03-2019 | 04:25
A-
A+
Doc-P-565530-636880731402694180.jpg
Doc-P-565530-636880731402694180.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
يستكمل القضاء العدلي والعسكري تحقيقاته في ملفات فساد تتعلق باستدراج وقبض رشى ومنافع مادية واستغلال وظيفة ومخالفة تعليمات عسكرية، في وقت تتكشف تباعاً فصول فضائح فساد أخرى في إدارات ومصالح رسمية وعامة. بقعة زيت تتسع من الأملاك البحرية والتعديات على الأنهر ونهش الجبال، إلى الضمان، ومصالح المياه، والمستشفيات الحكومية والطب الشرعي، ومن مرافقي قادة أجهزة وقضاة وكتّاب ومباشرين، من عسكريين ومدنيين، إلى أطباء ومهندسين ومقاولين وسمسارة..  عالمٌ سفليٌّ سحيق، شبكات اقتصاد أسود تغذّي بعضها بعضاً ولا تعرف قعراً.
Advertisement

هكذا تبدو قصة إبريق الأحد عشر مليار التي أثيرت لسنوات ثم تبين أن "ما فيها شي بيخوف، محاسبياً وليس دستورياً" بحسب المدير العام لوزارة المالية، هامشية أمام مليارات النهب المقونن في الكهرباء والضمان والتلزيمات والتهرّب الضريبي وصفقات التراضي، التي راكمت ديناً عاماً قارب الـ 90 مليار دولار. ذلك أن الدولة غائبة منذ عقود بحيث تعطلت الرقابة والمحاسبة، ومع الغياب والتعطيل استخدم الخطاب الطائفي للتغطية، وعليه اعتاد كثيرون تجاوز القانون، فيما استطاب آخرون خرقه عن سابق تصور وتصميم، ومع توالي السنين تحول الشواذ إلى طريقة عمل، فعادةٌ غالبة، ثم أعرافٌ وتقاليد مستقرة يتواطأ أهل السلطة على ممارستها بتلذذٍ عند كل تعيين وتوظيف وإزاء كل صفقة ومشروع.

للحظة يخيل للمرء أن هيئات الرقابة في الدولة مجرد شائعة، والحقيقة أنها موجودة بل ومكلفة للخزينة العامة لكنها معطلة بفعل فاعل. وبحسب تقرير نشر مؤخراً فإن نفقات الهيئات الرقابية في موازنة العام 2018 بلغت 32 مليار ليرة مخصصة للراوتب والأجور والتعويضات والمكاتب، وهي تكلفة لا توازي حجم الفاعلية المنشودة قياساً على استشراء حالات الفساد في كل القطاعات والمؤسسات، وهنا لا تسأل الهيئات وقضاتها بمقدار ما تُساءل السلطة وأركان النظام جميعاً عن تغييب هذا الركن الرئيس في هيكلية الدولة. 

في الذاكرة اللبنانية، إنه بعد نيل لبنان الاستقلال الناجز عن المستعمر المستبد، ظهرَ سلطانٌ متسلط، لم يكن من سلالة سلاطين آل عثمان، بل شقيقاً لرئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، اسمه سليم، لقّب بالسلطان لتسلطه على مفاصل الدولة، وكبار الموظفين فيها، وكان لا يمر في الشأن العام أمر أو صفقة أو سمسرة أو توظيف إلا وللسطان نصيب فيه... تقول الرواية إن السلطة من تلك الأيام عزمت أمرها على مكافحة الفساد، وشكّلت لهذه الغاية لجاناً ومجالس توارثوا هذا الشعار كابراً عن كابر، وجيلاً بعد جيل لمكافحة هذا الشبح الخطير.. إلى أن حل العام 2018، لكن رغم الحديث المتعاظم عن الفساد لم يحدث أن كشف عهد من العهود فاسداً واحداً مع أنهم جميعاً معروفو الأسماء والعناوين، لسببين: أولاً لأن معظم المكونات متورطة صراحة أو مواربة فيه، وثانياً لأن محاربة الفساد لا تستقيم مع أربعة أمور: الكيدية والانتقائية والشعبوية والتسريبات التي تشيطن طرفاً وتتهم آخر.

الفساد لا دين أو طائفة أو مذهب له، لكن لرافعي شعار محاربته من دون ضوابط قانونية وإدارية وأخلاقية طوائف وأديان وغايات ومصالح وأهداف.. وهنا يمكن السر. الواقع أن الدولة والأحزاب جميعهم مأزوم في لحظة التأزم السياسي والاقتصادي والحياتي، والخوف، كلّ الخوف، أن يكون شعار مكافحة الفساد مجرد قنبلة دخانية لحرف الأنظار عن أمور أخطر وأكثر سوءاً.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك