Advertisement

لبنان

قصة "طفل التتخيتة" تكشف الكثير

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
13-03-2019 | 15:10
A-
A+
Doc-P-565684-636881086921217005.jpg
Doc-P-565684-636881086921217005.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تحت عنوان "احتجزوه على "التتخيتة" بعمر السنتين وبعد 20 عامًا حرّرناه وجمعناه بوالدته لأوّل مرة" عرض برنامج "طوني خليفة" (الجديد) قصة "الطفل" أحمد من خلال تقرير تمّ تصويره في منزل "الضحية" تخلله شهادات للجيران (إعداد زهراء فردون)، استُكمل لاحقاً في الحلقة مع استضافة كلّ من زوجة والد "أحمد" (خالته)، وابن عمّه وطبيبة متخصصة في الغدد الصماء ومساعدة اجتماعية في وزارة الشؤون، ومكالمة هاتفية مع والدة الصبي البيولوجية.
Advertisement

يستهلّ مقدم البرنامج الفقرة بالقول إن " هذه القصة يمكن ما مرقت عليكم قبل هلق...قصة طفل عايش بهالمكان". يُعرض التقرير، وسرعان ما ندرك أنّ هذه القصة ستكشف الكثير، وستسلّط الضوء على أمور عديدة. عن الظلم سنتحدث. عن كمية الجهل المستشري في المجتمع، سنتحدث. عن ثقافات فيها من العنف ما يكفي لتدمير شعب، سنتحدث. عن مقاربات إعلامية لا تصيب، وعن ظاهرة الـ punition على الهواء، سنتحدث. عن مشهد يبكي الحجر. عن طفل يستحق أن يقام له تمثال. عن حقوق مسلوبة. والأهم، عن دولة معدومة لا يهمّها شعبها ولا مستقبل أبنائها.

بداية التقرير المصوّر اعترافٌ لشخص لا يظهر على الشاشة. نستمع إليه يقول: "في صبي عمرو 23 سنة عايش فوق مش شايف الضو بحياتو.. بضل مزروب فوق عالتتخيتة". ثمّ، اعترافٌ لسيدة أخرى، يتمّ إخفاء وجهها، تقول:"لو هيدا الصبي تتابع من هوي وزغير ما كان وصل لهون... بتعرفي هلق هوي كأنو حيوان ومزروب بالبيت".

تتوالى الشهادات من الجيران، على ما يبدو. "هلق اذا بلاقي نقطة عم تنقط من السطح بيشرب..مسكر علي منفي الولد ما بيعرف المجتمع ما بيضهرو للمجتمع... يلي بيجي بيزعبوا". "ممنوع حدا يشوفو اذا حدا اجا قلا فرجينا عأحمد ما بتفرجيه عحدا". "بهربلو لقمة من الشباك... مخزوق الشبك ". "مسكرة الباب بتقفل وبتاخذ المفتاح مسكرّه عليه الباب".

خلاصة مفجعة نستشفّها منذ اللحظة الأولى. خلاصة تحكي عن مجتمع ينأى بنفسه عن الإنسانية، بل عن الحقوق. هي ثقافة مرضية سائدة وصامدة. مثلاً، تُضرب امرأة على يد زوجها على مرأى من الجيران والأهل، لكنّ أحداً لا يبادر، غالباً، إلى إبلاغ القوى الأمنية بذلك. يُعنّف طفلٌ من قبل والده أو والدته، فيقال: "شو خصنا، هيدا ابنن وبدن يربو"، أو "بسيطة، عم يقاصصو".

في لبنان، في مناطقه وشوارعه وبيوته، عنفٌ كثيف، لا تخفيه غالباً الجدران. لكنّ أحداً لا يبلّغ. أحداً لا يعنيه الأمر. ربما، يُكتفى بترداد كلمة "يا حرام"، في أفضل الأحوال.

كارثة هذه. أي مجتمع لا يلعب كلّ فرد فيه دور الخفير لحماية الحقوق وصون النصوص القانونية والدفاع عن الإنسانية، هو مجتمع لم يبلغ سنّ النضج بعد.

نتابع التقرير. يظهر "أحمد" على الشاشة. لا إخفاء لأي جزء منه. نرى وجهه بوضوح. ألا تصيب الرسالة الإعلامية والإنسانية (المشكور عليها البرنامج)وتكتمل إلا بعد إظهار هوية "الطفل - الشاب" الذي يعاني حالة صحيّة معيّنة؟! هل كان ذلك ضرورياً حقاً؟ أين أبسط الأخلاقيات؟!

يظهر الوالد. يقول بثقة: "معدوم. معدوم كرمالو لورا". حسناً، لن نحاسب على الكلمة، عساها كلمة توصيفية شائعة.

تظهر "الخالة". تقول: امو مطلقة تركتو كان عمرو 6 اشهر وانا ربيتو".

المشهد التالي صادم. على الشاشة، عبارة كُتبت:"توتر الأجواء بين الوالد وزوجته بعد تدخلنا". فعلياً، لم تكن "الأجواء متوترة" وحسب. فعلياً، ضرب الوالد زوجته. تصرخ الأخيرة: "ما تضرب ما تضرب. بدي احسب الله ما خلقها".

يمرّ المشهد مرور الكرام. لاحقاً، في الاستوديو، لا ذكر لهذا "التفصيل". رجل ضرب زوجته. أمام الإعلام فعل ذلك. ايه، وشو يعني؟!

نعود إلى الـ reportage. تسأل معدة التقرير: "ليش بتقفلو عليه؟". تردّ الخالة: "ازا بينزل لهون ما بخليلي شي". اعترافٌ أوليّ بأن المنزل ممنوع على أحمد. أحمد الذي يعاني من حالة صحيّة ما!

في الصورة الآن، أحمد. ولد - رجل يهتزّ. يرتجف. يبكي بخوف. يجلس على الحصى. تحته زجاج. عبوات بلاستيكية. ودميّة شقراء.

"شفتو هودي الألعاب كلن بكونو برا هوي بطلعهم". يحاول الوالدان إقناع فريق العمل بأن أحمد ليس سجيناً.

تصرخ الخالة: "هيدي لعبة شفتي كيف بيعملها للعبة؟ بنتف الدنيا تنتيف".

تتفاجأ الصحافية بصغر حجم أحمد. يسارع الوالد إلى القول: "زغير عندو اعاقة. واحد معاق".

تسأله فردون: "انت برأيك هيدا الوالد عايش مثل ما لازم انت كبي تعيشو وجبتو عالهدني؟"، فيجيبها: "لأ، هيدا ميت".

صدمة تعترينا.
لكن كلّ المشاهد ليست شيئاً أمام ما سيلي. فريق العمل عند والدة أحمد البيولوجية. في البدء، ترفض الذهاب لرؤيته: " بدو يعملي مشاكل". لا نفهم عن أي مشاكل تتحدث، رغم أننا حزرناها.

في المنزل، تخرج الخالة:"شو بدا امو شو جايبها لهون؟هيانا عم نعملو شعرو للصبي وعم زبطو وححمناه". يا للروعة! شكراً على هذا الاهتمام!

المشهد الآن يُبكي. يستحق أحمد أن يرفع له تمثال. الطفل البالغ من العمر أكثر من عشرين...الطفل الذي لم ير والدته قط. الطفل الذي يعاني حالة صحية ما يصبح في لحظة، جنيناً بجسد رجل. أقيموا لأحمد تمثالاً. فليكن في حضن أمه، هادئاً، مبتسماً، سعيداً، كما كان.

الوالدة المصدومة تسأله: "بردان حبيبي"؟ يشدّ أحمد على يده. كأن به يلتقط قلباً مشلعاً بعواصف الظلم. قلبه. قلبه الصغير المشتاق إلى دفء.

هادئ أحمد.كأنه عاد إلى رحم ما عرف أنه سيبصقه يوماً إلى ظلمة الحياة.

"طبعاً حلو"، تعترف الأم. لم يكن عندها أمل في رؤيته. لم تكن، طيلة حياتها، تنتظر.

الى الاستوديو. استضافة لأفراد العائلة لأن حملة (سبقت عرض الحلقة)شُنّت على البرنامج باعتباره ألحق ظلماً بهم. يدور نقاشٌ من نوع ما إذا كان ذلك المكان الذي يقبع فيه أحمد هو "تتخيتة" أم غرفة فسيحة. تجهد العائلة لإقناع فريق البرنامج والرأي العام بأن "الصبي يعيش بشكل طبيعي، "فهو لا ينام في تلك الغرفة". حقاً؟! ماذا عن تواجده في ذلك المكان لأيام؟ بل لساعات؟ بل لمجرد ساعة؟ هل من حياة طبيعية في هذا الأمر، سواء كان أحمد بصحة جيدة أو لم يكن؟!

يمضي ابن العم في التبرير:"الولد اذا بتحطو بالبيت تحت بدو ينعف". ينفعل خليفة فيخبره بغضب "انو اذا الواحد عندو كلب بالبيت بضهرو ثلاث مرّات".

حسناً، هل هذه توعية إعلامية؟ هل هذه محاسبة على الهواء لأفراد العائلة؟
ربما، هي كذلك. يخبرنا مقدم البرنامج أن والد الصبي موقوف. لكنه لا يعرف السبب! لاحقاً، بعد دقائق قليلة، وبعد تأكيد مقدم البرنامج على أن "الهمّ الأساسي هو أحمد"، سيعلن خليفة أنه مستعدّ لأن يتكفّل بمصروف الأيام التي سيقضيها الأب في السجن. وسيطالب، مرتين، ويناشد بأن يتمّ إخلاء سبيله ليعود إلى عائلته. هو ربّ المنزل والمعيل.

حقاً؟! ماذا عن العقاب؟ ماذا عن القضاء؟ ماذا عن محاسبته، أقلّه، على الإهمال؟ ماذا عن أهمية عدم التساهل مع مثل هذه الأمور كي لا تتكرر؟

على شاشة الـ LBC، وفي الليلة نفسها، كان يستضيف الإعلامي جو معلوف في برنامجه "هوا الحرية" والد الطفل الذي انتشرت له صورة يبدو فيها مضروباً على وجهه. هنا، وعظٌ وما يشبه الـ Punition على الهواء، والخلاصة أنّ قسماً من الرأي العام قد تعاطف مع الأب حتماً. فهو، يحب أولاده. لا يضربهم "هيك"، لكن في تلك اللحظة غضب كثيراً لأن صغيره أوقع المدفأة.

المهم. يُعطى الحديث للمساعدة الإجتماعية التي تتابع قصة أحمد. تكشف أن والده اعترف "انو مقصر معو"، وتتابع قائلة:" اعتبرنا جهل. مش عارف كيف بدو يتعامل مع طفل عندو احتياجات خاصة"!

يا الله. هل سمعنا صح؟! هل من يفهمنا؟!

جهل؟! لا يعرف كيف يتعامل مع طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة؟! هل مطلوب instructions لذلك؟! وهل "القانون يحمي المغفلين"؟!

الطامة الكبرى أيضاً ما كُشف. تقول المساعدة الاجتماعية إن والد أحمد أدخله منذ سنوات إلى إحدى الجمعيات المتعاقدة مع الوزارة لكنه اضطر إلى إخراجه منها بعد سنة لعدم قدرته على دفع تكاليف التنقل في نهايات الأسابيع.

هنا يحق لنا أن نسأل: "ويني الدولة"؟!

أي دولة هذه لا تسأل عن تأمين أبسط حقوق أبنائها؟ أي دولة ليس فيها من نظام يحفظ الحقوق ويصون الكرامات؟ أي دولة هذه ينهشها الفساد وينهش أولادها الحرمان والظلم؟!

طبعاً، نحن في دولة معدومة. دولة تتهددها الحروب بمجرد طرح موضوع تغيير قانون الأحوال الشخصية وما يحمله من وقائع وظواهر. في الحلقة، يتمّ الاتصال بوالدة الطفل البيولوجية، فيسألها خليفة مراراً بلغة التأنيب واللوم كيف لها أن تترك ابنها ولا تراه طيلة العمر؟

ماذا عن الحضانة؟ ماذا عن العنف الذي يلحق بالنساء إن طلبن الطلاق؟ وماذا عن ذكورية قد تحول دون السماح للزوجة بالخروج بعد الخامسة وتسلب إرادتها؟!

أحمد اليوم في المستشفى بفضل البرنامج طبعاً. لكن ماذا عن بقية الأطفال والمعنفين والمعنفات؟

أحمد قد يولد من جديد، لكن كم من أحمد يعيش ميتاً كل يوم؟

وأحمد، بقصته، كشف الكثير. عن مجتمع متهالك. عن ظلم مستبدّ. عن دولة بحاجة إلى إعادة تأهيل
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك