لم يتمكن مجلس الوزراء، وعلى الرغم من الجلسة المسائية الطويلة التي عقدها في السراي الحكومي واستمرت حتى ساعة متقدمة من الليل، من الانتهاء من بت بنود الموازنة، بعد اصرار من وزير الخارجية جبران باسيل على مناقشة كاملة للورقة الاقتصادية التي تقدّم بها.
ومن هنا فان الوزراء الذين ناموا على أمل عقد جلسة ماراتونية جديدة لقراءة شبه نهائية في مشروع الموازنة، سيستيقظون على وقع اضرابات واعتصامات لم تنفع معها كل التطمينات التي صدرت عن وزير المالية علي حسن خليل التي أكدت ان لا مس برواتب الموظفين او المتقاعدين.
جلسة طويلة لمجلس الوزراء
اذاً، غرق الوزراء مجدداً في نقاش ورقة الوزير جبران باسيل، على الرغم من ان وزير المالية كان قد وزع على الوزراء منذ الجمعة الماضية مشروع الموازنة الجديدة بارقامها المستخلصة من مداولات الجلسات الاربعة عشرة، تمهيداً لبدء النقاش فيها، لكن الاصرار على الانتهاء من ورقة باسيل، حتم ارجاء موضوع الارقام الى اليوم، تحت وطأة وجهة نظر باسيل بأن المجلس لم ينجز سوى نصف النقاط المطروحة في ورقته وان النقاش توقف الجمعة عند موضوع الاتصالات نتيجة التباين الذي حصل مع الوزير محمد شقير، معتبرا ان مقترحاته يمكن ان تخفض العجز في الموازنة الى ما نسبته 7 في المائة، فيما يستبعد وزير المال ذلك، ويؤكد ان مشروع الموازنة الجديدة التي نقح كل ارقامها اوصلت نسبة العجز الى 8،5 في المائة، ويعتبر هذا الرقم مقبولاً.
ومن هنا استبعدت مصادر مطلعة لـ"اللواء" امكانية أن تخرج الموازنة من السراي الحكومي باتجاه القصر الجمهوري قبل الغد، خصوصاً اذا بقيت الاجواء هكذا وسط تشكيك بعجز مستحكم يحيط بانجازها قريباً.
اتصالات لتدوير الزوايا
وعلى وقع الجلسات المتتالية لاقرار الموازنة، أفادت أوساط متابعة للملف لصحيفة "الديار" عن وجود اتصالات مكثفة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري لانجاز الموازنة وبت النقاط الخلافية التي ما زالت تتمحور حول الحسومات المتوقعة من الرواتب وكذلك مساهمة المصارف في الدين العام وباي نسبة.
في المقابل، تؤكد الأوساط لـ"الديار" ان الأمور ليست سهلة ولم تصل الحكومة بعد الى تدوير الزوايا بين ارقام الموازنة وأماكن التخفيضات وبين مطالب القطاعات والنقابات العمالية في القطاعين العام والخاص والأساتذة والسلك العسكري، وخصوصا المتقاعدين بعدم المس بالاجور او بحقوق المتقاعدين. وتشير الأوساط الى ان مجلس الوزراء تبلغ إصرار كل النقابات التي دعت الى اضراب اليوم على مواصلة الاضراب والاعتصام المفتوح حتى اعلان نص الموازنة وتوضيح الأرقام وبالتأكيد عدم المس بالرواتب او بالمكتسبات التقاعدية.
أبو فاعور: أرقام وزير المال مطمئنة
وصرح الوزير وائل أبو فاعور لـ"النهار" ان ضغوطاً تمارس من الرئيس سعد الحريري ومن وزير المال ومنا لانهاء الأمور. قد نحتاج الى جلسة أخيرة لانهاء الامر، ولا مبرر لاهدار الوقت. جلسة أو جلستان في اقصى حد كفيلتان بانهاء النقاش، وأرقام وزير المال مطمئنة".
حاصباني: المطلوب خطوات اصلاحية بنيوية كبرى
وتجاوز نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني الارقام ليقول لـ"النهار": "ان هذه الموازنة لم ترتق الى تطلعاتنا لكنها لجمت التدهور الذي كان سيحصل لو استمر الوضع على حاله من دون اتخاذ بعض الخطوات التقشفية والتصحيحية. ولا يمكننا التوقف عند هذا الحد من دون التزام الحكومة من الان القيام بخطوات اصلاحية بنيوية كبرى بدل الاكتفاء ببعض التدابير الخجولة التي طال النقاش حولها في مجلس الوزراء".
التظاهرات والإضرابات ستشمل لبنان
الاّ ان الجلسة التي ستعقد اليوم، وان كان من المتوقع أن تكون هادئة من الداخل الاّ انها لن تكون كذلك من الخارج، على وقع دعوات للتظاهر والاعتصام عند الساعة الثالثة من بعد الظهر في ساحة رياض الصلح، رفضاً للمس بحقوق المواطنين ومكتسباتهم وتعويضاتهم الشهرية، واللافت في الحراك انه سيكون بشكل موحد، حيث عمد الاساتذة المتعاقدون في التعليم الاساسي الى استبدال تحركهم في الزمان والمكان الى الثالثة بعد الظهر تعبيراً عن تكاتفهم مع الروابط والهيئات المنضوية ضمن هيئة التنسيق النقابية التي تعود للاجتماع اليوم بعد الاعتصام لتقرير الخطوات المقبلة.
وانضمت الى التحرك اليوم نقابة معلمي المدارس الخاصة التي اعلنت الاضراب عن التدريس رفضاً لما وصفوه فصل التشريع بين القطاعين العام والخاص.
اول تظاهرة كبيرة ستكون للمتقاعدين العسكريين ضباطاً ورتباء وجنوداً من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي بعدما تأكد لهم انه في الموازنة الجديدة جرى الحسم من رواتبهم وتقديمات طبيعية يقدمها الجيش اللبناني لكل متقاعديه والامن الداخلي. كذلك ودعا المتقاعدون العسكريون الى التجمع في رياض الصلح. ويبدو من المعلومات الواردة لـ"الديار" انهم سيقومون بإحراق دواليب وقد يتم اغلاق مداخل بيروت من ناحية جونية وصيدا وشتورا وسيكون للجيش اللبناني وقوى الامن امام احراج اذا قرروا قمع المتقاعدين العسكريين، ذلك ان المتقاعدين هم رؤساؤهم السابقون ومنهم من تقاعد مؤخرا، كما ان الضباط العاملين حاليا سيصابون برواتبهم وتقاعدهم الذي سيخفض كثيرا على صعيد المستشفيات العسكرية والأدوية ومخصصات البنزين إضافة الى دفع أجزاء من أقساط أولادهم من قبل الجيش والامن الداخلي.
اما الإضرابات فتشمل الجسم القضائي الذي قرر معظمه الاعتكاف ابتداء من اليوم الاثنين، كما ان الاتحاد العمالي العام سيعلن الاضراب العام ابتداء من اليوم، كذلك الأساتذة في المدارس والجامعات الحكومية وموظفي المستشفيات الحكومية على مستوى كل لبنان. كما ان موظفي الضمان قد يعلنون الاضراب اليوم اضرابا شاملا. كذلك بقية النقابات التي ترفض تخفيض رواتب المتقاعدين منها وتعلن الاضراب العام وقد يمتد الاضراب الى نقابة النقل والسائقين، لكن حتى الان لم يعلن من قبلهم شيىء انما هو عضو في اتحاد النقابات ويتأثر كثيرا بقرار الاتحاد العمالي العام.
واذا كان المفترض إقرار الموازنة في جلسة ليل امس وعقد جلسة ما بين يوم الاثنين حتى الخميس في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون لإقرار الموازنة بشكل نهائي، فان البلاد سوف تعيش جو تظاهرات المتقاعدين العسكريين وانتشارهم واغلاق الطرق والاضرابات الشاملة التي ستشل البلد، واهمها القضاة والاتحاد العمالي العام والأساتذة واتحاد النقابات. كما ان عمال وموظفي مرفأ بيروت قرروا الاضراب ابتداء من الاثنين وسيشل المرفأ كليا في حين تقوم الإدارة ببيع السيارات الواقفة في ساحة مرفا بيروت بالمزاد العلني وقامت امس ببيع اكثر من 210 سيارات متوقفة في باحة مرفأ بيروت، وأعلنت انها ستستمر حتى بيع كل السيارات في المرفأ بعد عدم مجيء أصحابها واستلامها، وبخاصة ان عمال موظفي مرفا بيروت مضربون ولا يعملون، وأعلنت مصلحة مرفأ بيروت انه بعد بيع هذه السيارات سيتم تسليم المبالغ الى ميزانية الدولة والى وزارة المالية.
كما ان هنالك بضائع من خضر وفواكه وغيرها ستصاب بالتلف، ولذلك قررت إدارة مرفا بيروت والجمارك بيع هذه البضائع في مرفا بيروت وفي المصانع بالمزاد وتحويل اثمانها الى وزارة المالية والحكومة.
اما الخطر الكبير فهو ان تعلن نقابة موظفي مطار بيروت الاضراب العام، وهي لم تعلن شيئاً الى الان، لكنها اذا قررت الاضراب سيتوقف مطار بيروت عن العمل وهذا امر خطر لانه يغلق حركة الطيران من بيروت الى العالم وحركة السفن من مرفأ بيروت وإليه من كل العالم وإليه.
الاّ أن الأمر لم يقف عند هذا الحدّ، فقد برزت مشكلة فصل التشريع بين القطاعين العام والخاص ما حرك هيئة التنسيق النقابية التي تجتمع اليوم لاتخاذ خطوات تصعيد حيال الأمر.