Advertisement

لبنان

جورج أحرق نفسه طالباً الرأفة من الله

نانسي رزوق

|
Lebanon 24
07-09-2019 | 05:34
A-
A+
Doc-P-623688-637034528917321430.jpg
Doc-P-623688-637034528917321430.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
أقدم المواطن اللبناني "جورج. م. خ." في العقد السادس من العمر ، أمس، على سكب مادة البنزين على جسده وإضرام النار بنفسه أمام نقطة لقوى الأمن الداخلي عند مدخل قصر العدل في بيروت.
أما السبب الذي أشيع أنه يقف وراء الحادث، هو احتجاج الرجل على الحكم الذي صدر بدعوى قضائية قيل أنها كانت عالقة لدى المحكمة لسنوات طويلة.
Advertisement

لم نعرف حتى موعد كتابة هذه السطور ولم تتوضح الحقيقة القاطعة وراء كل ما جرى. 
لذلك وبعيداً عن التكهنات، لن نخوض في تفاصيل غير معلومة. بل سنتحدث عن حالة لم تعد غريبة كلياً على اللبنانيين. أي إضرام شخص النار بجسده احتجاجاً. 
قبل أشهر  من اليوم، قام جورج زريق في منطقة الكورة بالفعل ذاته. كأنه على ما يبدو افتتح عهد مضرمي النار بأرواحهم. هل ما حصل بالأمس يرتبط أيضاً بسوء الاوضاع الاقتصادية والفساد؟ لا أحد يدري. وإن عرفنا فإن الامر لن يقلب موازين قراءتنا للمشهد. لن يعدو كونه تفاصيل نلوكها لنعثر على مبرر منطقي يجعلنا أكثر تقبلاً لما سمعناه. 
فقد بتنا أمام أقسى أنواع الاحتجاج الفردي. لن يزاحم هذا الشكل من الاحتجاج مزاحما. وصل الامر إلى قمته. الاحتجاج بإحراق النفس. الاحتجاج بإعلان المحتج قبوله بأسوأ ضروب النهايات. الموت إحتراقاً. 
هذا الشكل من الموت مؤشّر خطير على اليأس. يأس متعدد الوجوه، اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني. ويأس مع إمكانية قيام حركة إحتجاج وإعتراض جماعي تؤتي ثمارها. 
هذا القنوط الذي يستفحل بالنفوس، يجعل الموت أكثر معقولية من أي مطلب حياتي آخر. خاصة إذا كانت هذه المطالب تعني موتاً يومياً بطيئاً. هكذا يصبح احراق الجسد تحرراً من ميتات صغيرة متقطعة، إلى موت واحد كبير لكنه مُعلَن. موت يشهره صاحبه في وجوه من يرى أنهم مسؤولون عن مصيره. كأن الموت احتراقاً يحول صاحبه إلى شعلة ناطقة. 
شعلة لها من قوة الصوت ما يصمّ الأذان. يستعيض "المنتحر" بها عن النطق بوجعه المعرض عنه من قبل الكثيرين، لا لأنهم لا يدركون مبلغ ألمه، بل لأنهم مثله، لكنهم اعتادوا الوجع حتى تخدروا. 
حارق جسده يحول نفسه إلى نار متكلمة تلسع بلهيبها الجليد عن قلوب اقفلت على ما عداها. يقرر أن يصمت لسانه عن "النق"، تاركاً لرماد جسده أن يجول على العيون ويلامس القلوب ويستصرخ الضمير، وأن يتفوه بالحقيقة المرة. 
هذه الحقيقة التي تقول: حياتكم هنا أيام تعدونها. أقصى سعادتكم فيها هو اليوم الذي تحصلون فيه خبزكم. مصائركم هنا مجهولة، وجهلكم بها، هو فعل تناسي وغض طرف عن مصائر تخبرون شكلها قبل أن تأتي. ولذلك لا تحيون أيامكم إلا وألسنتكم تلهج ولا تكل عن طلب الرحمة والرأفة من الله، على الحاضر والمستقبل.
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك