Advertisement

لبنان

مراجعة في إنتفاضة تشرين... لماذ لا نتعظ من حراك 2015؟

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
31-12-2019 | 02:00
A-
A+
Doc-P-659512-637133766490806319.jpg
Doc-P-659512-637133766490806319.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
تمرّ الانتفاضة الشعبية اليوم بأسوأ مراحلها وذلك بعد تفرّع شوارع الأحزاب فيها بدافع استغلالها أو التصويب عليها، الا أنه وفي ظلّ الضغوطات التي تواجه الحراك الذي ما زال يتشبّث بشعرة البقاء، كان لا بدّ من تسليط الضوء على بعض الثغرات بهدف تصحيح المسار الذي من شأنه أن يضمن له الاستمرار من أجل بلوغ المطالب.
Advertisement

وإذ بدا واضحاً ان "حراك تشرين" لم يتّعظ من الاحتجاجات الشعبية عام 2015 والتي فشلت بفعل تراكم العديد من الأخطاء، والتي كان أبرزها خلق شخصيات من المجتمع لمعت أسماؤها في تلك المرحلة ولعبت آنذاك دور البطولة في معركة النضال وسعت الى إلغاء مفهوم "السواسية" في مواجهة فساد الدولة وتقاعس مؤسساتها، وتمركزت في موقع القرار لتعيد تكريس صورة "الزعيم" في المشهد الشعبي، حيث أن ما سُمّي "بالثورة" عمدت الى إبعاد بعض الوجوه عن الساحات شكليا، وتمسّكت بمبدأ "اللا قائد"، علماً أن القيادات السابقة عادت للتموضع من جديد في أماكنها بعيدا عن الإعلام بهدف التأكيد على استمرار عفوية الحراك الذي بدأ "بفورة شعبية" بعد التدهور الاقتصادي والمالي وتراجع الاوضاع المعيشية ليتحول خلال اسابيع الى تحركات مبرمجة.

مما لا شك فيه أن الوجوه البرّاقة تتشارك مع الناس جملة المطالب المحقّة وترفع راية حقوق المواطن، حيث أن "الزعامة" على المستوى الشعبي ليست من شأنها أن تُلغي منطق النضال من أجل تحقيق الغايات المنشودة، الا أن الخطأ الذي وقع فيه الحراك، قيامه باستعداء جماهير الأحزاب، حيث أنه منذ اليوم الأول لانطلاق الانتفاضة عمد البعض الى الهجوم على فئة شعبية تنتمي الى الاحزاب السياسية واتهامها بأنها "غنم الزعيم" كتعبير قاسٍ عن مفهوم التبعية بالنسبة اليهم، الأمر الذي أدى الى نفور عدد كبير من المحازبين الذين نزلوا على اختلاف توجّهاتهم الى الساحات للتعبير عن دعمهم للحراك الذي يسعى الى تحصيل كافة حقوق الفرد في وطنه، إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة مع خطاب عالي النبرة من قِبل بعض الوجوه الذين لم يتوانوا عن تخوينهم بهدف إبعادهم عن المشهد، وفي الواقع فإنه كان من الأجدى أن يسعى الحراك الى استقطاب جماهير الاحزاب اولا، على اعتبارهم الخزان الشعبي الاقوى في لبنان، ما من شأنه أن يؤدي الى إضعاف الاحزاب وزيادة ضغط الاحتجاجات في الشارع.

اما الخطأ الثاني، فيتجسّد بالـ "فوبيا" المسيطرة على بعض قادة المجتمع المدني، والتي تتمثل في منطق السلمية، إذ ان هؤلاء عملوا منذ بداية التحركات على ممارسة القمع المعنوي لاي شكل من اشكال الغضب الشعبي، واختاروا كلمة "مندس" بمختلف معانيها لتصبح مع الوقت تهمة جاهزة لكل من يفقد صبره ويخرج عن طوره من غلبة الفقر وكسرة الحاجة، الأمر الذي ساهم في تمييع الانتقاضة التي بدت تسير بين النقاط و"ضربة عالحافر وضربة عالمسمار".

وإن كنّا لسنا مع منطق العنف وإثارة الشغب وقطع الطرقات، الا أن تصوير المقهورين على أنهم "ازلام السلطة" الذين جاءوا لتأدية دورهم في تشويه الحراك وتخريبه بدا ظالما جدا، حيث أن جزءا كبيرا من اللبنانيين فقد السيطرة على أعصابه فخرجت ردود فعله الانتقامية من عمق الوجع الذي بقي يئن بصمت في صدره على مدى سنوات طويلة، وفي الحقيقة فإن استبعاد هؤلاء عن الحراك أفقده روحيته لأن الفقراء هم نبض الثورات ورأس حربتها وما عزوفهم عن المشاركة ومكوثهم في بيوتهم، في احسن الاحوال، سوى انتكاسة شعبية موجعة، ذلك إن لم نذهب بعيدا نحو نقمة الفقراء على حراك "الكرنڤلات" الذي أفقد الثورة عنفوانها بعدما كادت "اللقمة توصل للتم"!

الخطأ الثالث تظهّر في سوء التنظيم، حيث أن الإصرار على رفض الحوار بين مكوّنات الحراك نفسه جعل من التحركات تبدو بأفضل تعبير عفوية، غير ان الواقع وشى بالكثير من العشوائية التي طغت عليها الفوضى في الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل، سعت العديد من الوجوه "الثائرة" الى تسليط الضوء الشعبي والاعلامي عليها، وذلك من خلال تصريحات عبر الشاشات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي طبعت في اللاوعي لدى البسطاء من الناس صورة "القائد"، الامر الذي اثار امتعاض شريحة لا بأس بها من المجتمع الرافضة لفكرة "الناطق الرسمي" للحراك.

اما من حيث المضمون، فإن عدم توحيد المطالب المعيشية وخطوات الضغط من اجل تحقيقها أدى الى جعل "كل يغني على ليلاه" احد ابرز مظاهر الحراك، الأمر الذي أصاب البعض بالضياع وصار السؤال الأهم: "من وين بدنا نبلش"!

الخطأ الرابع كان الأسوأ على الاطلاق، حيث ان الحشود الغفيرة التي ملأت الساحات صوّبت كل تركيزها على إسقاط الحكومة، ورغم أن هذا المطلب السياسي كان من المفترض أن يعطي زخماً اكبر للتظاهرات، لا سيما بعد تحقيقه، الا ان البعض كان يدرك آنذاك ان المطالب "طارت"، حيث أن ضغط الشارع في ظلّ وجود الحكومة كان من شأنه أن يحقق مكاسب أكبر للبنانيين تُحسب بداية انتصارات شعبية.

كل هذه الاخطاء، وإن بدت بسيطة، اصابت معظم "الثائرين" بالإحباط والذين عرفت منهم العشرات، هؤلاء نزلوا الى معركة الحقوق بكامل قوتهم مؤمنين ان الغضب الشعبي يملك قدرة هائلة على ههدم "اصنام الزعامات"، ويعيد الى اللبنانيين كرامتهم وحقّهم في العيش الكريم، لكنهم امام حيرتهم ما بين القائد والمندس، وما بين المأكل والمشرب والاستشفاء والعناوين الفضفاضة، وجدوا أنفسهم عاجزين سوى عن الهتافات... تلك الهتافات التي منذ سنوات طويلة "ما بتطعمي خبز"!



تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك