Advertisement

لبنان

"سور يضم وراءه قلوبا مخلوعة"

Lebanon 24
26-01-2020 | 01:30
A-
A+
Doc-P-668175-637156260897210585.jpg
Doc-P-668175-637156260897210585.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
كتب وهيب ططر: سبق لي منذ شهر، وأن كتبت مقالا بعنوان "جدران باسيل" نشرته على صفحتي الخاصة على موقع فايسبوك، خلصت به الى القول:

سلطة وجدت نفسها مضطرة لعزل نفسها عن سائر الوطن  والاختباء من الثوار ومن غيرهم من غزاة أحزاب المقاومة، في مشهد يشبه اضطرار "إسرائيل العدوّة"  أن تعزل نفسها عن الأراضي التي تدعي أنها جزء من "يهودا والسامرة" التوراتية وتحتمي من هجمات أطفال الحجارة  وراء الجدار في مستوطناتها المحصّنة.
Advertisement

وقلت في وقتها، حذارِ يا ايها السادة النواب من هذا الجدار، لأن الجدران تنشأ أوّلاً في الرؤوس. وهي، أي الجدران، غالباً ما تشكّل حالة صرع موضعية، ثم تتحوّل فيما بعد إلى خطوط تماس أو إلى جدران عازلة حقيقيّة. فما الذي يميز جدار وسط بيروت الجديد عن الجدران المعروفة في التاريخ؟

وكتب مئات الصحافيّون و الناشطون غيري ذات الشيء عندما بادرت القوى الامنية عقب احدى هجمات أهل الخندق على ساحة رياض الصلح ، الى بناء جدار اسمنتي صغير قرب ساحة رياض الصلح، ورغم كل ما قلناه في وقتها، وعقب تشكيل حكومة نائب رئيس الجامعة الاميركية، وقبل صياغة بيانها الحكومي ، أصدر رئيسها قراره الاول والذي قضى بانتقاله للسكن في القصر ،  فضاعفت القوى الامنية عدد الجدران الاسمنتية حول القصر الذي أمسى محاصرا لنفسه بنفسه!

رئيس حكومتنا اتخذ قراره بأن يسكن القصر ، منذ أوّل أمس العصر ، هو وعائلته ، يتمتعون بوجبات مطعم "سقراط" الفاخرة، وينعمون بدفء "شوفاجاته"  و ببرودة مكيّفاته، كلّه على حساب الخزينة، تاركين وراءهم عيشة البنايات، واضعين أمامهم عيش السرايات؛ ولذا ضرورات أمنية لازمة لتنعم العائلة بالامن و الامان، فكانت الاسوار في كل صوب ومكان.

رغم ابداعكم في دهن بلوكاتكم الاسمنتية بالشحوم والزيوت لمنع الشعب من تسلّقها، فاستراتيجيتكم يا سادة ليست اختراعًا حديثًا، فهي معروفة منذ العصور القديمة، من جدران بلاد ما بين النهرين إلى سور الصين العظيم، مرورًا بجدار تراجان الروماني، وجدار هادريان في انكلترا، وخط ماجينو في فرنسا، وخط موريس على طول الحدود الجزائرية المغربية والتونسية، وخط مكنمارا في فيتنام، وجدار برلين في المانيا و خط نيقوسيا في قبرص، والجدار الرملي في الصحراء الغربية المغربية، والمنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، وجدار بلفاست في إيرلندا و الجدران القائمة بين البرازيل والباراغواي والهند وبورما، وبنغلاديش وبورما، وبروناي وماليزيا، والهند وبنغلاديش، والهند وباكستان، وأوزبكستان وكذلك قيرغيزستان، ويرتفع جدار بين أفغانستان وباكستان، وآخر بين باكستان وإيران... و جدار يفصل بين روسيا والشيشان وآخر على حدودها مع النروج، وجدار يفصل جبل طارق البريطانية عن الأراضي الإسبانية، وآخر بين منطقة غوانتانامو "الأميركية" وباقي الأراضي الكوبية؛ وفي القارة الأفريقية ثمّة جدار بين كينيا والصومال، وجداران يفصلان جنوب أفريقيا عن كل من الموزمبيق وزيمبابوي.

الجدران والتحصينات حول العالم، بنيت لتؤدي مهمات استراتيجية دفاعية ، ولتأمين السلم والأمن بين بلدين متجاورين متنازعين، وهي تختلف في وظيفتها عن جدران بيروت حيث نعيش صراعا داخليا محلّيا، وبنـاء هذه الجدران يدخلنا في جدلية ارتفاعها و هبوط قيمة الإنسان، اذ ليست الجدران العازلة فواصل إسمنتية أو حجرية فحسب،  بقدر ما هي حواجز نفسية، وإيديولوجية تتسبب في انقطاع تيار التواصل الإنساني بين جهتي الجدار، وتختزل الكثير من الأزمات والصراعات بين أطراف، وصلت إلى طريق مسدود في ما يتعلق بالقدرة على التوافق والتواصل وإيجاد الحلول الناجزة؛  قد يكون المنطق الذي أدّى إلى بناء الجدران بعد مئة يوم من الثورة على الفساد، يعيدنا الى مشهدية القرون القديمة والوسطى، حيث كانت القلاع القوية والمحصنة، حاجزًا واقيًا وضروريًا لحماية الملوك و حاشياتهم داخلها، من خلال وضع حدّ مادي ثابت وحصين، يحتمي به المجتمع من هجمات أو خطر بعض الجماعات المحيطة. 

إنّ معظم المجتمعات "المحصّنة" و"المسوّرة"، كانت في النهاية، وكما يخبرنا التاريخ، تسقط بيد الشعب من الداخل، فالجدران "تكون في داخلنا أو لا تكون". ويقول البعض: "إنّ الصين بنت سور الصين العظيم ونسيت أن تبني أخلاق الحرّاس، فاشتراهم الأعداء ودخلوا الصين من الباب... ". وفي التراث العربي،  يروى أن أحد الولاة أرسل كتابًا إلى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز يطلب فيه مبلغًا كبيرًا من بيت مال المسلمين لبناء سور حول المدينة التي ولاّه عليها، فرد الخليفة بكلمتين بليغتين، ومشهورتين: "سَوِّرها بالعدل". نعم فالأسوار تصبح بدون فائدة، ولا تحمي المدينة إذا تحوّل الإنسان داخلها إلى عدوّ لها... وفي النهاية، الإنسان وليس الأحجار، هو من يحمي المدينة أو يشكل سورها... (قالها أفلاطون).

حيال كلّ ذلك، سيما وأن الجميع معني ببناء هذه الجدران،  أوجّه نـداء الى كل عضو في البرلمان اللبناني، للنظر الى دلالة الشعور الحاد بالنقص، وانعدام، أو على الأقل اهتزاز،الثقة بالنفس والشعور بالعجز عن المواجهة المباشرة الصريحة مع شعب لا يملك من أدوات إلا أقل القليل. فالغاية من هذا الجدار هو حماية الفاسد القابع خلفه، يحميه و يؤمن له الديمومة في استمرارية فساده و نهبه لمقدرات البلد.  

على كلّ نائب حــّر نظيف، يعتبر نفسه غير منغمس في فساد لبنان، أن يصرخ بأعلى صوته ويقول: السور القوي الأصم، لا يستطيع أن يقف أمام إيمان الشعب وإصراره على الحرية والحياة و بوقف الفساد المستشري. ابحثوا في هواتفكم الذكية الفاخرة عن قصيدة خليل مطران، والذي قال فيها  "الملك يريد أن يبني سورًا حتى يحتمي به، فجاءه صوت الناس الناطق بالحق، يقول له أمـا الـجـدار فلو رفعت بناءه ولو الجبالُ جُعلن بعضَ حجارِه فـلـيُـحْدثن الناس ما هو فوقه ولـتُصْنعن نواسف تثفي الربى".

على السادة النوّاب أن يسألوا أنفسهم، ما قيمة السور الذي يضم وراءه قلوبا مخلوعة، ونفوسًا هالعة، تعاني من ظلم الحاكم ما تعاني؟ إن أضخم ترسانة حربية في العالم لا تستطيع أن تدفع شرًّا عن مدينة أو عن وطن يسود فيه الظلم، والقهر، والتسلط، والديكتاتورية.

الشعب  اللبناني المنتفض، قد تعوّد على المحن ولا يملك إلا الصبر والثبات في خندق ثورته الشريفة. و أدعو الله سبحانه وتعالى أن يعدّل مسار الحكّام  ومن تبقّى منهم من "أوادم "، أن يروا مشهدية الجدران التي تعزل ممثلي الشعب عن الشعب، وأن يحملوا معاول الحق والحرية، فيزيلوا بواسطتها و بأيديهم وبأظافرهم  وبأصواتهم الجدارالذي يفصل بينهم وبين شعبهم .

وللحديث صلة، وربما صلات.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك