Advertisement

لبنان

قراءة في إحتمالات الحرب المقبلة.. الساحة والتوقيت

علي منتش Ali Mantash

|
Lebanon 24
26-02-2020 | 07:09
A-
A+
Doc-P-677605-637183195081857470.jpg
Doc-P-677605-637183195081857470.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
باتت الإستراتيجية العامة للولايات المتحدة الأميركية تستبعد الإنخراط في عمليات عسكرية كبرى أو حروب مع خصومها الدوليين، بل تركز بشكل لافت على العقوبات الإقتصادية والمالية، يُساعدها في ذلك موقعها الجغرافي البعيد نسبياً عن أي إستهداف عسكري وربما أمني، ما يمنحها ترفاً في إستخدام عامل الوقت لإستنزاف أحادي لأعدائها.
Advertisement

التجلي الأوضح لهذه السياسة هو في تعاطي واشنطن مع طهران، الأمر الذي لولا عملية الإغتيال لقائد فيلق القدس قاسم سليماني،لكان  أنهى إحتمالات الحرب الأميركية – الإيرانية، لكن السياسية الأميركية هذه مع طهران لم تكن يوماً كافية بالنسبة إلى حليفة واشنطن الأولى تل أبيب.

بالتزامن مع زيادة العقوبات الأميركية عليها، بدأت طهران عملية بناء ومراكمة قوّة في دول الطوق لإسرائيل، من لبنان إلى سوريا وحتى العراق، الأمر الذي اعتبر بمثابة ردّ مضاد على الضغوطات الأميركية غير التقليدية، لكن السياسة الإيرانية دفعت بإسرائيل الملتزمة مبدئياً بسياسة "الإنهاك اللاعنفي" الأميركية تجاه إيران، إبتكرت إستراتيجية سمّتها "المعركة بين الحروب" التي تشمل عمليات إستهداف عسكرية وأمنية لمنشآت وقوافل سلاح في دول الطوق لعرقلة مراكمة القوة المفترضة، وتشمل أيضاً عمليات إغتيال للأدمغة العسكرية (إغتيال القيادي في "حزب الله" حسان اللقيس، والأسير المحرر سمير القنطار ومجموعة القنيطر، والقيادي في حماس محمد الزواري، والقيادي في الجهاد الإسلامي جهاد ابو العطا)، الأمر الذي يضمن عدم تطور المنظومة العسكرية لأعدائها من دون الذهاب إلى حرب شاملة ترفضها واشنطن.

فشل "المعركة بين الحروب"

ما يدور في إسرائيل مؤخراً يوحي بأن ما حققته سياسة "المعركة بين الحروب" غير كافٍ، وأن هذه السياسة إستطاعت ضرب نسبة بسيطة من القدرات المُراكمة في سوريا، ونسبة أقل في العراق (نظراً إلى ضيق هامش المناورة العسكرية الإسرائيلية فيه)، إضافة إلى أنها فشلت فشلاً ذريعاً بتكريس قواعد إشتباك جديدة في لبنان بالرغم من إنغماس "حزب الله" في الحرب السورية، وعليه فإن الجبهة في لبنان تنجح في مراكمة قوة عسكرية، ما أهّلها، وفق التصنيف الإسرائيلي،بأن تتحول إلى تهديد وجودي عام 2020.

في نهاية آب الماضي، حاولت إسرائيل تفجير إحدى الأهداف "كاسرة التوازن" في الضاحية الجنوبية مستخدمة طائرة إستطلاع في عملية أريد لها أن تكون أمنية لا عسكرية لتجنّب أي ردّ، ولتأمين في الوقت نفسه مدخلاً لبدء إستهداف منشآت حيوية تابعة للحزب، غير أن فشل العملية وإنتقال الحزب إلى مرحلة إسقاط طائرات الإستطلاع المشتبه بقيامها بعمل أمني، حدّ من أساليب ضرب المقدرات العسكرية في لبنان وجعلها حصراً عسكرية، أي أنها يتوجب أن تحصل عبر عمل عسكري مباشر مع الأخذ في الإعتبار ما قد يستتبعه من ردود فعل.

الفشل في منع إيران بناء منظومات خطيرة في دول الجوار، أعاد فكرة الحرب إلى عقل المؤسسة الإسرائيلية، وبشكل خاص الحرب على "حزب الله" في لبنان، بإعتبار أن إسرائيل غير قادرة على تحمل تطور البنية العسكرية للحزب في لبنان أكثر، إذ "إنه يردم هوّة التفوق العسكري الإسرائيلي" بشكل سريع.

الحرب أو اللاحرب

حتى الآن يوجد وجهة نظر وازنة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعتبر أن لا شيء تغيّر في معادلات القوة، وتالياً فإن حسم المعركة مع "حزب الله" لم يصبح مضمونا، ما يعني أن الحرب الآن لزوم ما لا يلزم، ويجب الإستمرار في إستراتيجية "المعركة بين الحروب".

يصر هؤلاء على إنجاح نظريتهم بالعناد من خلال سعيهم إلى تكثيف واضح لمبادرتها العسكرية بهدف تحقيق نجاح يجنب اسرائيل الاضطرار للمبادرة الى حرب واسعة، وهذا زاد وسيزيد حجم ونوع الضربات العسكرية في سوريا، ولعل محاولة إغتيال أحد كبار قادة الجهاد الإسلامي في دمشق قبل يومين خير دليل على سلوك هذه السياسة مسارها إلى التنفيذ.

هذه الإستراتيجية ستستثني عام 2020 الساحة العراقية، خصوصاً في ظل ما حكي عن إتفاق إسرائيلي – أميركي عن تقسيم الساحات، إذ تتولى تل أبيب ضرب إيران في سوريا فيما تتولى واشنطن ضربها في العراق، كما أن عملية إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وتحول الساحة في العراق إلى ساحة صراع عسكري مفتوحة، جعل الإسرائيليين بيتعدون عنها بشكل علني.

على جانب آخر يقف من يسوّقون لضرورة الحسم في لبنان، إذ أن عزله عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، برأيي هؤلاء، لم يعد يحتمل، ويجب إستغلال الوضع الاقتصادي والمعيشي والفوضى الحاصلة فيه وانشغال "حزب الله" بهذه الإشكاليات، وإن ما يحصل في بيروت فرصة لن تتكرر، خصوصاً أن البيئات الحاضنة للحزب باتت مهشمة لأسباب كثيرة، ويمكن تالياً توجيه ضربات قوية تستهدف منشآت حساسة تابعة له، الأمر الذي يُحرج الحزب ويضعه بين إحتمالين، إما إبتلاع الضربة بردّ بارد وغير مؤثر مما يكرس قواعد إشتباك جديدة تعطي الروح مجدداً في إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، أو يذهب إلى ردّ جدي وتتدحرج الأمور إلى معركة طويلة أو حرب تكون كلفتها أقل من كلفة حصولها بعد عام أو عامين، ما يسلب الحزب ورقة "الصبر الإستراتيجي" التي يستعملها لإتمام الإعداد للحرب الشاملة.

لكن عاملاً إضافياً قد يلعب دوراً في تحديد تل ابيب لخيارها في الحرب أو للاحرب، هو السياسة الأميركية ضدّ إيران. أي أن إستمرار واشنطن في عملية إستهداف المصالح الإيرانية بشكل مباشر كما حصل في إغتيال سليماني وذهاب الأمور بعيداً في عملية الإستنزاف هذه، قد يعطي الجانب الإسرائيلي جرعة دعم قوية، ويساهم في عملية إلهاء واضحة لكل التنظيمات الإيرانية في المنطقة ما قد يُعادل، بالحسابات الإسرائيلية، الحرب العسكرية، ويعطي هامشاً أوسع من الوقت بإنتظار الإنهيار الإقتصادي الكامل في طهران.

لكن في المقابل، هناك مؤشرات خطيرة بدأت واشنطن ترسلها في غير إتجاه، قد يكون أولها التسوية التي ستعقد مع طالبان في أفغانستان، والتي ستعني إنسحاباً أميركياً كاملاً من هذا البلد الحدودي مع إيران، وكذلك هناك سعي واضح لدى واشنطن للإستبدال وجودها في العراق وسوريا بقوات من حلف الناتو، ما يوحي بأن ترامب سيعمل بعد إعادة إنتخابه على تنفيذ وعوده الإنتخابية السابقة بالإنسحاب من بعض دول المنطقة والإكتفاء بالضغط الإقتصادي على إيران من دون الذهاب إلى الإشتباك العسكري معها أو مع حلفائها. هذا المسار يعني أن تل أبيب قد تكون وحيدة في مواجهة القوة الإيرانية المتراكمة في بلدان المنطقة، ما يدفعها إلى بدء حرب واسعة ضدّ "حزب الله" تستطيع من خلالها الإستفادة من الوجود العسكري الأميركي (قبل الإنتخابات الرئاسية المقبلة) لتحقيق القدر الممكن من المكتسبات.
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك