على الرغم من ان الحركة السياسية تراجعت بفعل عيد الفصح عند الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، الاّ أن هذه العطلة اعادت خلط الأوراق لا سيما تلك الاقتصادية منها، بعد موجة الأخذ والردّ في ما يتعلق بمسودة الورقة الاقتصادية التي تبحثها الحكومة من ضمن الاصلاحات التي وعدت بها. وما بين عيدي الفصح الغربي والشرقي، تعاود الحكومة اجتماعاتها اعتباراً من اليوم للملمة ذيول ما حصل واعادة تقويم الوضع في ظل الهجمة الشرسة على هذه الورقة.
ويشكل هذا اليوم يوما اختباريا دقيقا لقرارات حكومية تبدأ بالملف المالي والاقتصادي وخطواته المقبلة ويستكمل بالقرار الذي سيتخذ حول مصير الرحلات الجوية لاعادة اعداد من اللبنانيين الموجودين او المقيمين في الخارج بعد انتهاء المرحلة الأولى من هذه الرحلات امس، بعدما اكتملت المرحلة الأولى المقررة من الرحلات التي نظمتها شركة طيران الشرق الأوسط بأربع رحلات نظمت امس من باريس ولندن وجدة وليبرفيل.
الحكومة أمام حائط مسدود
اذاً، وبحسب "النهار" بدا واضحا تبعا للتطورات المتصلة بالخطة الحكومية الجاري استكمال نقاشها في جلسات متعاقبة لمجلس الوزراء تعقد في السرايا برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب وستكون من ضمنها الجلسة التي ستعقد بعد ظهر اليوم ان الحكومة وصلت الى الاصطدام بطريق مسدود حيال هذه الخطة او اقله حيال نقاط حيوية فيها بسبب تفجر الملف الملتهب والمشتعل المتعلق بما سرب عن الاقتطاعات المقترحة من ودائع اللبنانيين في المصارف أي اعتماد عمليات الـ"هيركات". وتشير المعطيات التي اتضحت عقب موجة الرفض الواسعة التي شهدتها الأيام الأخيرة لاعتماد عمليات "هيركات" او أي مس بالودائع في المصارف ان الحكومة لن يكون في قدرتها المضي قدما في نقاش الخطة الموصوفة بانها انقاذية ما لم تلجأ الى واحدة من خطوتين: اما الإعلان بمنتهى الوضوح والشفافية اليوم عقب الجلسة وعلى لسان رئيس الحكومة ما يبدد نهائيا وفي شكل حاسم كل الشكوك التي أثارها التسريب المقصود الذي حصل لاقتراحات اعتماد الاقتطاعات من الودائع بما يهدئ موجات الرفض والحملات الحادة التي شنت على الحكومة، واما تصويب هذا الخطأ السياسي والمالي والإعلامي الفادح الذي ارتكبته الحكومة او جهات محددة فيها من خلال تصويب جدي وجوهري للخطة يعيد النقاش الى محاور بديلة ومجدية وإسقاط أي بحث من شأنه الإيحاء بان تعويض الإفلاس والانهيار سيأتي من طريق التضحية تكرارا بحقوق اللبنانيين البديهية. والحال ان تراجع الحكومة او اضطرارها الى إعادة تصويب النقاش الحكومي الداخلي والنقاش العام حول خطتها المالية لم يعد امرا احتماليا وانما تمليه أولا موجات الرفض السياسية والشعبية الواسعة لمسألة الاقتطاعات المالية من الودائع. وثانيا لان الحكومة باتت تواجه وضعا داخليا شديد الهشاشة والاهتزاز عقب غسل معظم القوى يديها من تبعة الخطة وإعلان ابرزها مواقف رافضة لها.
المعارضة تتكاتف
ومن دون أن تعلم الحكومة، فان ما أقدمت عليه لا سيما لناحية المفاعيل السياسية لهذه الخطة وخصوصا في موضوع الـ"هيركات" أدت الى نشوء معالم إعادة التماسك والتنسيق وإنعاش تحالف ثلاثي للمعارضة أطرافه الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. وتفيد المعطيات المتصلة بالموضوع الأخير، بحسب "النهار" ان اتصالات وجهودا تجري لاحياء التحالف المعارض وتذليل عقبات سابقة باعدت بين الأركان الثلاثة او بين بعضهم وتحديدا الرئيس الحريري وجعجع، وان الفترة المقبلة ستشهد تسخينا لهذه الجهود نظرا الى الضغوط الكبيرة التي تملي إعادة ابراز وجود معارضة متماسكة. ولا يقتصر الامر على الابعاد الداخلية اذ ان أي رهان على مساعدات خارجية او دعم خارجي للبنان لن يكون مجديا ما لم تقم معارضة برفع الصوت الذي يحدث توازنا سياسيا ويجعل الخارج يقدم الدعم لئلا تصبح صورة السلطة الأحادية اللون مختصرة للوضع امام المجتمع الدولي.
وقد اكد نواب في هذه الكتل لـ"اللواء" ان مشروع اقتطاع اموال المودعين لن يمر، ودعوا الى البحث عن ابواب اخرى متوافرة لتمويل عجز الخزينة والاسراع في أنجاز خطة انقاذ لا تقوم على حساب جيوب الناس.
جس النبض
وقد حاولت الحكومة جس النبض عبر ما سمي بـ "صندوق اقتصادي" تضع فيه بعضاً من أصول الدولة في محاولة لابتداع مخلوق هجين مهمته ابتلاع أموال المودعين وتأميم ودائعهم مع ما تبقى من مؤسسات وقطاعات مدرارة للمال العام.
هذا الصندوق الذي تصفه أوساط اقتصادية بأنه أشبه بـ"صندوق سلبطة" يؤمن هروب السلطة إلى الأمام في خطة الحكومة المالية، الغاية الأساس منه هي محاكاة "الخصخصة" بشكل مشوّه ومشبوه لا يمتّ إلى خصخصة قطاعات الدولة ولا إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأي صلة علمية، إنما هو حسبما أكدت هذه الأوساط لـ"نداء الوطن" مجرد صندوق "تمّت هندسة فكرته، من جهة للسطو رسمياً ونهائياً على أموال المودعين من دون الإضطرار إلى إعلان "الهيركات"، ومن جهة أخرى لقطع الطريق على مطالب صندوق النقد الدولي وعلى توصياته الإصلاحية المرتقبة". وتوضح الأوساط أنّ "صندوق النقد قد يوصي فعلاً بخصخصة بعض أصول الدولة لكن وفق قواعد النظام الاقتصادي الحر بما فيه من تحقيق لشروط المنافسة وضخ السيولة عبر اجتذاب المستثمرين وتطوير القطاعات، في حين أنّ الصندوق اللبناني المطروح ضمن خطة الحكومة غرضه "الاحتكار والتأميم" ولا يستجلب أي سيولة بل يغطي دفترياً على العجز المصرفي ويقتطع من أموال المودعين مقابل التعويض على الكبار منهم، وفق صيغة تستهدف السطو على أملاك الدولة التي تعود ملكيتها بالأساس إلى كل المواطنين اللبنانيين دون تمييز بين مودع وغير مودع، ولا تملك السلطة أي صك ملكية يتيح لها توزيع أسهم القطاع العام على بعضهم دون بعضهم الآخر".
وإذ تشدد على أنّ "الخصخصة ضرورية في الحالة اللبنانية إذا تمت بهدف معالجة الاستنزاف الحاصل في قطاعات الدولة"، تشير الأوساط في الوقت عينه إلى أنّ "الشراكة مع القطاع الخاص تقوم على مبدأ المنافسة وحماية حقوق المستهلكين أما ما يُطرح راهناً فهو أبعد ما يكون عن الخصخصة والشراكة وأقرب ما يكون إلى صندوق تديره مافيا الحكم ويؤمن جرعة "أوكسيجين" جديدة تمدّ بعمر نظام المحاصصة وتتيح له فرض سطوته على كل ما هو خاص وعام في البلد وتحويله إلى صندوق مغانم ومحاصصة جديد في قبضة السلطة"... وليس بعيداً من هذه النزعة المتحكمة بالطبقة الحاكمة، انتهت عملية صندوق إعالة المواطنين الأشد فقراً إلى ما يشبه "الفضيحة" ليل أمس مع إعلان إرجاء تقديم مساعدة الـ400 ألف ليرة إلى الأسر الأشد فقراً التي كان مقرراً البدء بها اليوم إلى وقت لاحق تحدده المؤسسة العسكرية بعد انتهائها من إعادة التدقيق باللوائح الإسمية المستفيدة من هذه المساعدات المالية، وأوضحت مصادر مواكبة لـ"نداء الوطن" أنّ هذا الإرجاء فرضته معطيات تكشّفت خلال الساعات الأخيرة وأظهرت وجود أسماء منتفعة ضمن هذه اللوائح دفعت بها جهات سياسية وحزبية وهي في واقع الحال غير مستحقة للمساعدة، وعندما اكتشفت قيادة الجيش هذا الموضوع آثرت على نفسها عدم التورط في هكذا "لوائح مفخخة" وطلبت إعادة التدقيق بكل الأسماء قبل شروعها في تنفيذ قرار مجلس الوزراء.