أخيرًا، حلّ العشرون من كانون الثاني، يومٌ ينتظره الأميركيّون بلا شكّ، ومعهم مواطنو معظم دول العالم ربما، لما قد يحمله من تغييراتٍ جذريّة ترقى إلى مستوى التحوّلات النوعيّة، لكنّ للبنانيّين معه قصّة من نوع آخر، قصّة عشق وانتقام، ورهاناتٍ غريبة عجيبة لم تخمد...
اليوم، تنتهي ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًّا، فيصبح خارج البيت الأبيض بقوّة القانون والأمر الواقع، بعد خسارته كلّ المعارك القانونيّة التي خاضها لإثبات ادّعاءاته حول "تزوير" نتائج الانتخابات الأخيرة التي خاضها في مواجهة الديمقراطي جو بايدن، وبعدما كادت تفلت الأمور من يديه في الشارع، الذي انزلق إليه أنصاره الأسبوع الماضي.
اليوم أيضًا، يُنصَّب الرئيس المُنتخَب جو بايدن في احتفالٍ استثنائي، لا يشبه غيره من احتفالات التنصيب، ليس فقط بداعي جائحة كورونا، التي حصرت عدد المدعوّين، وأغلقت المراسم أمام العامة، بخلاف العادة، ولكن أيضًا بداعي الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، التي تحوّلت معها العاصمة الأميركية واشنطن إلى حصنٍ منيع، ومربّع أمني مُغلَق بالكامل.
انتظار "ثقيل"
ينتظر كثيرون ما بعد حفل "التنصيب"، وسط حالةٍ من الترقّب والحذر، خوفًا من أيّ اعتداءاتٍ قد تحيط بالمراسم وتعيد مشهد "العار" الذي سجّلته الديمقراطية الأميركيّة قبل أسبوع، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكونغرس، واشتبكوا مع الشرطة، في حادثٍ لا تزال تداعياته ترخي بثقلها على الولايات المتحدة حتى اليوم، وسط حديثٍ عن "إرهابٍ داخليّ" لا بدّ من الالتفات إليه.
لكن، بمُعزَلٍ عن كلّ هذه التفاصيل، ينتظر كثيرون مرحلة ما بعد تنصيب بايدن، لكونها ستفتح "صفحة جديدة" على مستوى السياسات الخارجيّة للولايات المتحدة، وسط تسريباتٍ بالجملة تتحدّث عن نيّة الرئيس الأميركي المُنتخَب العدول عن الكثير من السياسات التي انتهجها سلفه، في الداخل والخارج، ولا سيما في دول المنطقة، وربطًا بملفّاتها المشتعلة على غير صعيد.
ويرى البعض أنّ مرحلة بايدن ستكون مختلفة بالشكل والمضمون عن مرحلة ترامب، وأنّ هذه "الصفحة الجديدة" قد تكون أقرب إلى "تحوّل نوعيّ" ستشهد عليه السياسة الخارجيّة الأميركيّة على أكثر من مستوى وصعيد، وخصوصًا في ما يتعلق بالملفّ الإيرانيّ، في ضوء إبداء بايدن أكثر من مرّة رغبة بالعودة إلى الاتفاق النوويّ، رغم التباين مع طهران حول الشروط.
أين موقع لبنان؟
لكن أين لبنان وسط كلّ هذه المعمعة؟ ما موقع الملفّ اللبناني من "أجندة" بايدن هذه، بعدما اختار القادة اللبنانيّون المعنيّون "تجميد" نشاطاتهم منذ أشهرٍ طويلة، وبالتالي تأجيل استحقاقاتهم، وعلى رأسها تأليف الحكومة، بانتظار وصول الرجل إلى البيت الأبيض ومغادرة ترامب؟ هل يعني التنصيب أنّ اللبنانيين سيكونون تلقائيًا على موعدٍ مع حكومتهم المُنتظَرة خلال ساعات؟
قد لا تكون صادمةً الإجابة النافية لمثل هذا السيناريو الخياليّ "الدونكيشوتي"، إن جاز التعبير، إذ يقول العارفون إنّ الربط المُبالَغ به الذي تمسّك به كثيرون بين الحكومة اللبنانية والانتخابات الأميركية لم يكن له أيّ أساس واقعيّ أو موضوعيّ من الأصل، علمًا أنّ لبنان لن يحضر على طاولة الرئيس المُنتخَب قبل أشهرٍ طويلة، إن وجد ضرورةً لذلك.
ويشير هؤلاء إلى أنّ إنجاز الإجراءات الانتقالية قد يؤذن بفتح "صفحة جديدة" على خطّ الصراع الحكوميّ اللبنانيّ، من البوابة "النفسيّة" فقط لا غير، طالما أنّ البعض أصرّ على إقناع نفسه بوجود "فيتو" من هنا، أو "تهديد" من هناك، لكنّ الأصل يبقى في "العُقَد الداخليّة" التي لا تُحَلّ بكبسة زرّ أو عصا سحرية بيد بايدن أو غيره، مهما عانَد المُعانِدون.
بوصول بايدن إلى البيت الأبيض أخيراً، بعد مسارٍ انتخابيّ ماراثونيّ غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، لن تُكتَب "الخاتمة" لمسارٍ حكوميّ ماراثونيّ بات مألوفًا ومسبوقًا بكثرة. فـ"الفرج" الحكوميّ، بمُعزَلٍ عن القناعات غير المُقنعة، يبقى بيد اللبنانيّين وحدهم، وأساسه بعض "التنازلات"، التي لا تبدو واردة حتى الآن، طالما أنّ هذا يصرّ على هذه الحصّة، وذاك ينتظر مبادرةً قد لا تأتي...