لا تزال زيارة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن لسوريا محط جدل بين المواطنين. ففيما اعتبرالبعض أنها جاءت في الوقت المناسب لتجنيب لبنان كارثة صحية لا تحمد عقباها، اعتبر آخرون أنها تحمل أبعادًا سياسية. وما عزز هذا الرأي وزير الصحة السوري حسن غباش الذي أشار إلى أن زيارة حسن لسوريا "بحد ذاتها رسالة سياسية هامة"، إضافةً إلى تصريح نقيب المستشفيات سليمان هارون الذي لفت بداية إلى أن هناك مصنعين كبيرين للأوكسيجين في لبنان يلبيان الطلب ولا نقص في هذه المادة، قبل أن تتضح الصورة لاحقًا توازيًا مع بيان أصدرته شركة "سوال" المختصة بتوفير الأوكسيجين، والتي أشارت إلى "صعوبات طرأت مؤخرًا على عملية الاستيراد".
الرواية الحقيقية
وأكد هارون، في حديث، مع "لبنان 24"، إلى أنه لم يكن يعلم أبدًا بنقص في الأوكسيجين إذ إن هذه المادة كانت مؤمنة ولا مشكلة في ذلك"، فما الذي طرأ؟
يجيب مارون على هذا السؤال قائلًا: "نحن اليوم بحاجة لنحو 3600 طن شهريًّا من الأوكسيجين، وهي ما كانت مؤمنة بشكل طبيعي من قبل شركتين وهما، شركة "شهاب" التي تصنع وتوزع في لبنان وشركة "سوال" التي تصنّع في سوريا.
وأضاف: "في ظل أزمة كورونا بات معمل شهاب يؤمن نحو 70 طنًّا في اليوم من الأوكسجين. أما معمل "سوال" الذي يستورد من سوريا فبات يؤمن نحو 50 طنًّا يوميًّا وهو ما يكون مجموعه 120 طنًّا يوميًّا، أي ما يساوي 3600 طن شهريًّا وهي الكمية التي تحتاجها المستشفيات، لكن الثلاثاء مساءً أعلنت شركة "سوال" أنها لا يمكنها أن تصدر الأوكسيجين إلى لبنان وقد تم إبلاغ الوزير حسن بذلك فكان الأربعاء في سوريا من دون أن يكون أحد لديه خبر بأزمة تخص الأوكسيجين".
وبغض النظر عن كل ذلك، فما هو مهمُّ وملموسٌ تأمين 75 طنًّا من الأوكسيجين، ولكن مهلاً فالأزمة لم تنتهِ هنا، فماذا لو وقعنا في المشكلة نفسها مرةً أخرى؟ فهل من سيشعر بنَفَسنا؟
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أكد لـ"لبنان 24" أن هذه القصة لا يجب أن تكون عابرة، خصوصاً في ظل تزايد الطلب على أجهزة الأوكسيجين".
وجدد عراجي قوله إن "القطاع الصحي في لبنان يترنّح" وأسرّة المستشفيات المخصصة لكورونا ممتلئة، وهذا ما لفت إليه أيضًا مدير عام مستشفى رفيق الحريري فراس أبيض الذي قال: "يعاني قسم طوارئ الكورونا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي من الازدحام الشديد. هذا ليس بجديد، فهذا الوضع مستمر منذ أسابيع"، لكن الملفت أن أبيض أضاف أن الجديد يكمن بأن "قسم الطوارئ الآخر المخصص للمرضى الذين يشكون من أمراض غير الكورونا قد أصبح مزدحمًا أيضًا ولا يستقبل الآن سوى الحالات الحرجة. لماذا هذا الازدحام؟".
وفي هذا الإطار، لفت أبيض إلى أنه "مع تدهور الوضع المالي العام، تطالب بعض المستشفيات الخاصة بمبالغ ضخمة قبل البدء بإجراءات دخول المريض، مما يدفع الحالات الأكثر عوزًا إلى اللجوء للمستشفيات الحكومية".
هجرة الأطباء
ويترافق مع هذه العوامل، أمرٌ لم يكن سابقًا في الحسبان، بعدما كان لبنان وجهة طبية من مختلف دول العالم، يتمثّل بهجرة الأطباء نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ويقول عراجي في هذا السياق لموقعنا إن "1000 طبيب تركوا البلاد منذ بداية الأزمة الاقتصادية، ومنهم 100 في الجامعة الأميركية"، مضيفًا أن هناك العديد من الممرضات والممرضين الذين قدموا طلبات لترك أعمالهم والهجرة لخارج لبنان".
أما أبيض فكان أيضاً قد أشار عبر "تويتر" إلى هذه الواقع قائلًا: "للاسف، الوضع يزداد سوءًا، حيث أننا نرى المزيد من الأطباء والممرضين يغادرون لبنان، وإن الدعم والمساعدات تتضاءل، والمزيد من الناس قد أصبحوا تحت خط الفقر..."
ونتيجة الوضع الاقتصادي المأسوي الذي يلقي بظلاله على المستويات كافة، يبدو أن الأزمة الصحية لن تقف عند هذا الحد، فثمة أمرٌ ليس بالبسيط يقترب شيئًا فشيئًا يتمثل بإمكانية فقدان الأمصال من المستشفيات والصيدليات.
وعن هذا الموضوع يتحدث هارون قائلًا إن "مشكلة المصل في التسعيرة حيث تسعره وزارة الصحة والضمان الاجتماعي. أما اليوم فهناك مشكلة في التصنيع بسبب غلاء الأسعار ما يؤدي إلى قلّة في التصنيع وبالتالي في ظل هذه الحالة سنصل إلى مكان لا تحمد عقباه".
وبالخلاصة، بالتأكيد كان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي صائبًا حين قال إن "الوضع الأمني فلتان"، ولكي تكون الصورة أوضح، فبالإمكان أن نزيد على ما قاله فهمي بأن الوضع الصحي أيضًا "فلتان"، ولكن للتخفيف من حجم المشكلة الصحية جراء نقص الأوكسيجين وغيره، فمما لا شك فيه أن لا شيء يخنق أكثر من انقطاع الضمير عن المعنيين الذين أوصلوا لبنان إلى ما هو عليه.