Advertisement

لبنان

وقت الضيق الاقتصاديّ... أين الصديق؟

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

|
Lebanon 24
29-06-2021 | 10:00
A-
A+
Doc-P-837960-637605781623621430.jpg
Doc-P-837960-637605781623621430.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
إنّ كلّ حكومة تحترم شعبها وتلتزم بمهامها من أجله، توظّف جلّ طاقاتها لضمان استقرار بلدها ونموّه. لذلك، وفي حال طرأت أزمة ما، تبحث هذه الحكومة الشرعيّة عن خطط إنقاذ، وإن عجزت تطلب مساعدة صديق، فلا عيب ولا حرج، ألم يقل المثل "الصديق وقت الضيق". هذا ما فعلته بعض البلدان المجاورة كاليونان في أزماتها الاقتصاديّة. لكن، في الوضع اللبنانيّ الراهن، يبدو أنّ السلطة لا ترغب في مساعدة صديق، إذ تحالفت بينها ضمن صداقات زائفة تصلح فقط للخطابات المتلفزة لضمان تطبيق خطّة انهيار وضعتها لغايات دفينة. 
Advertisement
من الواضح أنّ الحكومة اللبنانيّة لا تبحث عن صديق حقيقيّ كما بحثت اليونان الّتي أوجدت في ثلاثيّة البنك المركزيّ الأوروبيّ، والاتّحاد الأوروبيّ، وصندوق النقد الدوليّ مَن ينتشلها في أزمتها. يقول المثل "صديقك من صدقك"، لذلك يستطيع هذا الصديق أن يكون قاسيًا لانتشال صاحبه من أزمته، ولا يمكن لصندوق النقد الدوليّ والدول الصديقة أن يساعدوا لبنان إن قدّموا خطّة سَلِسة ومخفّفة. لذلك، تحاول الحكومة اللبنانيّة المماطلة لأنّها تعي قساوة هذا السيناريو عليها، حتّى إنّ الصديق أصبح يعاني من أزمة ثقة بمن استنجد به وهو لا يحاول أن يتقدّم ولو خطوة في ما وعده به من إصلاحات.   
بالطبع في بعض الأحيان نتردّد أمام ما يُعرض علينا من نصائح، فماطل اليونانيّون بالتزامهم باتّفاق اليورو، مما أخّر تعافيهم. لكن في نهاية المطاف، وضعوا مصلحة الوطن فوق أيّ اعتبار، إذ أرادوا التخلّص من أزمتهم الاقتصاديّة نهائيًّا، وهذا ما تحقّق بعد أربع سنوات اتّبعوا فيها نصائح أصدقائهم القاسية وتوصياتهم. والسؤال الّذي يُطرح هنا: إذا كانت الحكومة ترفض تدخّل الأصدقاء، ما هي خطّتها الّتي ترسمها ضمن "صداقاتها الداخليّة"؟ ألا ترى الحكومة الحكيمة في الشعب اللبنانيّ صديق تلجأ إليه، وتصغي إلى رأيه؟ فهذا أقلّ الإيمان... ألا تتبجّح الحكومة بأنّها شريكة الشعب، فلماذا لا تُشركه في قراراتها على منوال ما قامت به الحكومة اليونانيّة ضمن استفتاء شعبيّ؟
ما يربط الحكومة اللبنانيّة بشعبها المصلحة لا الصداقة، إذ جعلته يدفع فرق الهوّة الماليّة ضمن خطّتها الّتي تهدف إلى انهيار البلد والشعب، فوضعت كل قوائمها الماليّة وأرقامها الاقتصاديّة على حساب المواطن المسكين. كما أنّها تتذرّع بعجزها أمام الأزمة الّتي أوجدتها لتتهرّب من كل مسؤوليّاتها وتتّكل في نهاية المطاف على صندوق النقد الدوليّ لتستعطي المعونة، وتتنكّر لواقع البلد الّذي أوصلتنا إليه. مثالٌ على ذلك، نجد أنّ الحكومة تحمّل المواطن الكلفة الأعلى لخسائر المصارف لأنّها تسدّد مستحقّاتها الموجودة بالعملات الأجنبيّة بالعملة الوطنيّة الآخذة في الانهيار، في ظلّ تزويد مصرف لبنان البنوك التجاريّة بالليرات المطبوعة حديثًا وبكميّات كبيرة لتسهيل عمل المصارف. 
كما أنّ الحكومة اللبنانيّة لا تبادل شعبها الصدقية، وتتعمّد عدم الوضوح في تعاملها من خلال ما تصدره من قوانين الكابيتال كونترول، وتعاميم مصرف لبنان، وتوزيع الدولار الأميركيّ بالنقد الطازج، إلخ... فنشهد على الوسائل الإعلاميّة كافّة كيف تتبادل الحكومة التُهم مع مصرف لبنان وباقي المصارف، وتحمّلها سبب تواصل الانهيار، مع أنّنا رأينا ممّا سبق أنّ وراء الكواليس ثمّة "خيانة" للشعب من أجل تصفية ديون الدولة، وتحميل أعبائها جميعًا للمواطن ضمن علاقة مصلحة من طرف واحد.
 وفي إطار الصداقة "الخسيسة"، سرَّب السياسيّون الخوف والقلق إلى نفوس المواطنين، فأقنعوهم بالانتحار الماليّ عن طيب خاطر، أي القبول بالهيركات الّذي وصل إلى حدّ الـ ٧٥٪ أو أكثر من قيمة الودائع. فاللبنانيّ يسحب أمواله بسعر أكبر بحوالى المرّتين والنصف من السعر الرسمي (٣٩٠٠ مقابل ١٥٠٠)، لكنّه يشتري الدولار الأمريكيّ من السوق السوداء بسعر يقدّر بعشرة أضعاف أو أكثر إذا بقي عدم استقرار سعر الصرف على هذا النحو.
هكذا تتخلّص الحكومة من أصدقائها صغار المودعين بالحيلة والمكر، وتقدّم العِبرة للمودعين الكبار الّذين سيكونون أمام خيار مماثل (هيركات يصل لغاية ٧٥٪ أو أكثر من قيمة ودائعهم)، أو اللعب على وتر "عِشرة العمر"، أي المماطلة العلنيّة باسترجاع الودائع إلى بعد ١٥ سنة، بحجّة أنّ صديقك في أزمة، ومن المعيب أن تلحّ عليه في الطلب.
ختامًا، كيف تستطيع حكومة لم تترك لها صديق أو قريب أن تنجو من أزمتها؟ وكيف لسلطة غارقة في المكر والخداع أن تدّعي الصداقة والصدق؟ إنّ صداقة أطراف السلطة هي مجرّد مصلحة، وستأتي نهايتها يومًا عن طريق النيران الصديقة. لكن، أتترك هذه الطبقة الحاكمة للبلد بعض الصداقات الحقيقيّة لتَهُمّ في مساندته كما حصل مع دول اليورو الّتي ساعدت اليونان وغيره؟ وهل سيبقى لنا صديق يزورنا بحجّة السياحة، ويستثمر في بلدنا "ليوقف عَ إجريه"؟ خوفنا أن تكون خطّة الحكومة "شمشونيّة" على مبدأ "عليّ وعلى أعدائيّ" تأتي بهلاكها وهلاك الشعب لأنّها تعتبر الجميع أعداء لها، فكيف لنا أن نظفر بصديق في وقت الضيق؟
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

بروفيسور في كلّيّة الإدارة والأعمال في جامعة القدّيس يوسف ببيروت، رئيسة مؤسِّسة لجمعيّة التميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتنمية الاقتصاديّة "AXISSED"