Advertisement

لبنان

إشكاليّة التنقّل والعلاجات الشكليّة

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

|
Lebanon 24
28-07-2021 | 07:00
A-
A+
Doc-P-847095-637630764735467295.jpg
Doc-P-847095-637630764735467295.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
ما إن لاحت تباشير حل أزمة المواد النفطيّة قبل فترة، حتّى عُدنا إلى مشاهدة طوابير السيّارات مصطفّة على محطّات الوقود من جديد. لا بل زادت جرعة البؤس في لبنان ضمانًا للكارثة وحفاظًا على حالة الكآبة لدى المواطن اللبنانيّ، إذ أتت أزمة المازوت وكأنّها مفاجئة، فارتفعت الصلوات لكي ننجو ممّا هو أعظم: لا مستشفيات، لا مستودعات للتبريد، لا شيء سوى حالة حرب نفسيّة يجد فيها الشعب نفسه مجرّدا من كافّة الأسلحة لمواجهتها.
Advertisement
جُرِّد المواطن من جميع حقوقه، فلبنان شارل مالك والدفاع عن الإنسان، أصبح لبنان الشعارات الشعبويّة، الّتي ترى في التظاهر تخطّيا لحقوق التنقّل، ولكنّها ترى أنّ تنقّله اليوم ثمنه باهظ ضمن معادلة: الوقت، المال، الجهد الجسديّ، الحالة النفسيّة، وصفاء الذهن... جميعها لا قيمة لها عند أصحاب السلطة، فهُم ينظرون إلى البلد كونه يزداد رخصًا في كلّ مرّة "يقرّشون" ما امتصّوه من دم الشعب بالدولار الأميركيّ، الّذي أصبح صنمهم الأوحد، فانقسم لديهم المجتمع اللبنانيّ إلى شريحتين: شريحة يحلو لها الوضع وتفرح كلّما ارتفعت قيمة الدولار، وشريحة أُخرى تأنّ تحت وزر غلاء المعيشة والاكتفاء بالمقدرة على الصمود إلى حين.
هذا ما ينطبق مثلًا، على مجموعة قادرة دومًا أن تفكّر أنّ سعر تنكة البنزين ما يُعادل الـ ٣ دولار أميركيّ، وأُخرى لا تعلم كيف ستتنقّل في يوم الغدّ مع التهديد المستمرّ في شحّ وربّما انقطاع مادّة المازوت الّتي تستعملها وسائل النقل العامّة. والسؤال الّذي يُطرح هنا، ما الخطط الإصلاحيّة لدى الحكومات الّتي توالت على وزارات النقل والطاقة وغيرها؟ ها هي أوروبا تضع الخطط المستقبليّة لاستبدال سيّارات البنزين بأُخرى صديقة للبيئة، ونحن؟ هل ما زلنا نحلم أنّ سعر المشتقّات النفطيّة سيعود كما كان وأنّ سياسة الدعم غير المدروسة يمكن أن تستمرّ إلى ما نهاية؟ أم ما زلنا نعيش "الحلم الصينيّ" الّذي وُعدنا به، والّذي شقّ لنا نفقًا من بيروت إلى البقاع، ووسّع ميناء طرابلس، وأعاد مطار القليعات... فقط في مخيّلتنا؟
لا علاج من دون معرفة مصدر المرض، ولطالما استسهلت الحكومة اللبنانيّة إدارة شؤون الدولة بإعطاء المسكّنات العامّة، كدعم المشتقّات النفطيّة. لكنّ المرض يكمن في إنّ إيرادات الدولة كانت شحيحة من عمليّة النقل وعدم التوافق بين إيراداتها ونفقاتها في الموازنة. وقريبًا، ستجفّ إبان عمليّة رفع الدعم غير المخطّط لها، وسرطان تهالك البُنى التحتيّة والطرقات العامّة سيتفشّى لدرجة إنّه فعلًا قد نعود إلى أيّام التنقّل باستخدام المواشي كما استبشر أحد المسؤولين من الدرجة الأولى في الحكومة الحاليّة.
عادةً ما تُدرس الخطط الإنمائيّة على أُسس علميّة، وعلى الرغم من أن حصّة قطاعات البنية التحتيّة حوالى ٣٧٪ من الموازنة، تُصرف بمجملها على تحسين الطرقات، وشقّ أُخرى جديدة، فهي ضمن ما يُعتبر "الصالح العامّ"، وتموّل كونها خدمة اجتماعيّة، من دون أن تعي الحكومة أنّ أيّ استثمار في البلد، يقوم على حالة البنى التحتيّة الماديّة والاجتماعيّة، وهي ليست مجرّد "زفت انتخابيّ"، بل خطط علميّة مدروسة توجِد حلولًا صديقة للبيئة، وتتخطّى مشاكل الاختناقات المروريّة، وتوفّر وسائل النقل العامّ ضمن شبكات تُخَدِّم لا مراكز المدن الكُبرى وحسب، بل ضواحيها وكذلك أريافها.  
بالطبع، هذه الخطط كي تُنفّذ، توضع ضمن خطط الحكومة في دائرة: الإيرادات والمصاريف، إذ تشكّل الضرائب دخلًا أساسيًّا إلى خزينة الدولة عن طريق رسوم الترخيص، والتصاريح، وجمارك المركبات وقطع الغيار، ورسوم الوقود. وهذه الأخيرة تمثّل مصدرًا موحّدًا لتحصيل الأموال عند الدولة، فلا يمكن إيجاد تسعيرتين للمواد النفطيّة، أي مواد مدعومة وهي بالطبع محدودة، وغيرها ضمن تسعيرة "حرّة" غير محدودة (قابلة للتهريب والسمسرة)، فنتبنّى عندها تجربة إحدى الدول المجاورة المتأزّمة نفطيًّا.
"هيدا جَوّنا" الحكوميّ...حلول شكليّة لا تستأصل المشكلة. اليوم، نجد الدولة كمن يحاول معالجة الكورونا بتناول حبوب تخفيض الحرارة! إنّ اللعب بأسعار المشتقّات النفطيّة ورفع الدعم أو توزيعه ليس إلّا معالجة للعوارض، في حين يتوجّب عليها أن تجد حلولًا جذريّة لتدنّي مداخيل الموازنة. ينتج هذا العجز عن انخفاض ما يرِدها من ضرائب جمركيّة عبر عمليّات شراء السيّارات الجديدة، وشبه انعدام القدرة الشرائيّة عند المواطن الّذي يميل إلى عدم إصلاح مركباته، أو المطالبة بالإعفاء عن دفع رسوم الميكانيك، فتتوسّع دائرة الأزمة لتطال السلامة العامّة، والأضرار البيئيّة وغيرها.
هكذا ستجد الحكومة المدعوّة إلى تطبيب البلد في غرفة العناية المشدّدة، عاجزة عن النهوض بسبب الإعاقة الّتي أصابتها في تهالك بنيتها التحتيّة وتآكلها، وقد تجد في تلك الحالة المزرية المثيرة للشفقة، حجّةً للشحادة من بعض الدول... كما اعتادت دولتنا وعوّدتنا.
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

بروفيسور في كلّيّة الإدارة والأعمال في جامعة القدّيس يوسف ببيروت، رئيسة مؤسِّسة لجمعيّة التميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتنمية الاقتصاديّة "AXISSED"