Advertisement

لبنان

أكان أصحاب العملات المشفّرة على صواب؟

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

|
Lebanon 24
12-04-2022 | 07:00
A-
A+
Doc-P-941462-637853615108225478.jpg
Doc-P-941462-637853615108225478.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

 

مع تعرّض الشعب اللبنانيّ لسرقة العصر، وتمهيد المسؤولين لخبر إعلان إفلاسه، يندهش كثيرون من أنّ من حذّر من فقاعة "البيتكوين" والعملات المشفّرة وعدم أمانها، هو نفسه يحضّر لانفجار الفقاعة الّتي تُطيح ببضع آلاف من اللبنانيّين، بل بالمودعين بأكملهم. ورُبّ قائل: "يا ليتنا غامرنا بمستقبل مجهول، فإنّه أفضل من إفلاسٍ معلوم".

تزداد الثقة بالعملات المشفّرة، مع تبنّي دول عديدة لهذه المنظومة الماليّة الجديدة، وها هي أوكرانيا تجد فيها مصدرًا لضمان حصانتها العسكريّة ضدّ غزوات روسيا. بالطبع، هذا الميل إلى تبنّي العملات المشفّرة ظهر أوّلًا عند الأفراد والمؤسّسات، ومن ثمّ انتقل إلى مستويات حكوميّة، وكأنّ الدول نفسها باتت تستفيد من الخاصيّة اللامركزيّة لهذه العملات المشفّرة، بعدما حاربتها على الدوام، وشهَّرت بكونها قائمة على المضاربة، وبطبيعتها المتقلّبة، وبعدم ضمان الجهات الحكوميّة الرسميّة لها.

تطول قائمة الدول الّتي أصبحت رائدة في التعامل بالعملات المشفّرة، سواء على مستوى الأفراد كسوق نيجيريا الأكبر في إفريقيا، أو على مستوى البلدان كالأرجنتين الّتي تُعاني من التضخّم، وبالطبع السلفادور الّتي تُعتبر أوّل دولة اعتمدت "البيتكوين" كوسيلة دفع رسميّة إلى جانب الدولار الأميركيّ. وهذه القائمة لا تشتمل على الدول الّتي تُعاني اقتصاديًّا، فمنها سويسرا الّتي يعرف أفرادها أعلى معدّلات تبنّي للعملات المشفّرة في "قارّة اليورو".

بالطبع، مع تسارع تدهور الوضع الاقتصاديّ في لبنان، يزداد عدد اللبنانيّين الّذين يتبنّون التعامل بالعملات المشفّرة لدافعين رئيسيّين، فهم إمّا ينضمون إلى قوافل من الشعوب المنكوبة، الّتي توحّدها المعاناة من الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة، وهبوط قيمة عملتها المحلّيّة، أو ينضمّون إلى مجموعة ترى في روّاد الأعمال والشخصيّات المؤثّرة مصدرًا للثقة، كإيلون ماسك مؤسّس شركة "تيسلا" وغيره. يُضاف إليهم بعض المتموّلين اللبنانيّين إلى مواكبة المستثمرين العالميّين، وضخ جزءًا من رؤوس أموالهم في العالم المشفّر، بعد أن زادت استثمارات التشفير بأضعاف في العام المنصرم عالميًا.

هكذا نجد أنّ لبنان وإن تأخّر قليلًا إلّا أنّه بات من أعضاء نادي العملات المشفّرة، وهو يمتلك جميع الأسباب المنطقيّة والملموسة التي حفّزت غيره على المغامرة وتبنّي التعامل بالعملات المشفّرة بدرجاتٍ مختلفة. إذ يمكن اللبنانيّ تجاوز القيود المصرفيّة الّتي تُحجّم استثماراته، وتمنعه من الحصول على مدّخراته تحت تعاميم غير واضحة ومتضادّة، وفي لجّة أزمة ماليّة عنيفة. ولأنّ مستقبل اللبنانيّ ضبابيّ على الدوام، فهو لا يهاب أن يدخل غمار العملات المشفّرة في محاولة يلفّها التفاؤل كي يحافظ على قيمة مدخّراته، لا بل زيادة قيمتها على المدى المتوسّط والبعيد.

ولأنّ لا عار أكبر من إعلان دولة إفلاسها، وحياؤها اليوم لا يُخدش وهي تضيّق التعامل ببطاقات الدفع الائتمانيّة اللبنانيّة، فالمضحك المبكيّ أنّ الحكومة اللبنانيّة تغضّ الطرف عن تبادل العملات المشفّرة على مجموعات التواصل الاجتماعيّ، وكأنّها تتبنّى منهج عدم الرقابة واللامركزيّة بطريقة غير مباشرة، من دون اكتراثها من إمكانيّة استخدام هذه العملات غير المشرّعة في عمليّات غير مشروعة.

وعلى عكس الهندسات الماليّة التي اعتمدتها الحكومة، والتي بددت بواسطتها "شقا الشعب"، كان من الممكن للدولة اللبنانيّة أن تقسّم مخطّطاتها وتستثمر جزءًا منها في العملات المشفّرة، على قول المثل "لا تضع البيض جميعه في سلّة واحدة"، ولكانت اليوم قادرة على تعويض جزء من خسارة الدولة، بدل من تحميل هذا العبء ماديًّا ومعنويًّا على المواطن الكريم. ولكانت أيضًا قد حفظت ماء وجه الحكومة وسياساتها الماليّة، وأبقت بصيصًا من الثقة بأنّها قادرة على التغلّب على صعوبات هذه المرحلة المصيريّة.

اليوم، تُعتبر العملات المشفّرة جذّابة في البلدان التي تواجه تضخّمًا هائلًا كما هو حال لبنان، وخصوصًا تلك التي تعاني عملاتها المحلّيّة انخفاضًا حادًّا في قيمتها. إذ قد تكون العملات الرقميّة خشبة يتمسّك بها البلد كي يلتقط أنفاسه ويستعيد عافيّته. بالطبع، عليه أن يعي أنّ الحلّ لا يكمن في الأمور المؤقّتة، وقيمة العملات الافتراضيّة متقلّبة على المدى القصير، وعليه دائمًا توخّي الحذر. ومن ناحية أُخرى، يجب ألّا يُضيّق على الشعب، ويدعه أيضًا يتنفّس، فالرغبة في النجاة متبادلة، وعلى الدولة أن تفكّر ولو لمرّة من منطلق كينونتها، أي حمايتها المواطن... لا العمل ضدّه، واللعب على أعصابه بتمرير خبر إفلاسها. ولعلّ أفضل ما يمكن أن تفعله، أن تتركه بحاله، ولا تعمل شيء، فاللبنانيّ خبير بتدبير الحال، الذي لن يكون من المُحال.

 
Advertisement
 
 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ Professor Nada Mallah Boustani

بروفيسور في كلّيّة الإدارة والأعمال في جامعة القدّيس يوسف ببيروت، رئيسة مؤسِّسة لجمعيّة التميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتنمية الاقتصاديّة "AXISSED"