Advertisement

لبنان

المرأة اللبنانية تعود الى الزراعة بعد "هجرة" طويلة.. قصص لنساء ناجحات في الأرياف

زينب زعيتر Zainab Zaiter

|
Lebanon 24
05-10-2022 | 02:30
A-
A+
Doc-P-997267-638005571708270724.jpg
Doc-P-997267-638005571708270724.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
بعدما هجرت المرأة اللبنانية الزراعة منذ زمن، وجدت نفسها اليوم وبعد الازمة التي عصفت بالبلاد تتقدم خطوات سريعة نحو المساهمة في العجلة الاقتصادية الذاتية وخصوصا في الأرياف. فتكلفة الحياة الشاقة، جعلتها في حالة اضطرارية للتوجه نحو سوق العمل، وليس امامها سوى المساحات الشاسعة من السهول للعمل فيها. وهناك مرة جديدة استطاعت السيدة الريفية ان تثبت قوتها، وليست النماذج التي سنقدمها سوى بعض من تجارب ناجحة لسيدات خلقن الفرص من العدم، وأثبتن قدرات استثنائية لفعل المستحيل. 
Advertisement

وعلى أبواب الموسم الزراعي الشتوي، تستعد سيدات في البقاع لاستكمال مشاريعهن الزراعية، وخصوصاً مع بدء المدارس وفصل المونة إضافة الى التحديات الكبيرة التي تواجهها العائلات في المناطق الجبلية لتأمين المازوت والحطب للتدفئة.  
محاسن سمعان، سيدة بقاعية من بلدة دير الأحمر، اضطرت الى الانخراط في العمل الزراعي بعدما وجدت نفسها وحيدة في إعالة ولدين أكبرهما 13 عاماً، وثانيهما 10 سنوات، وزوج يعاني مشاكل صحية بعد اصابته بمرض نادر، استدعى تدخلات جراحية لزراعة الشرايين وعلاج مدى الحياة. تروي محاسن تجربتها بفخر، زرعت بداية كروم العنب في ارض صغيرة تملكها العائلة، وباعت محصولها لتكتشف انّ الأرض "كنز" على حد تعبيرها فعملت على تطوير ادواتها الزراعية، وبدأت في زراعة القمح. تقول محاسن: "لا خيار لدي سوى الأرض والعمل فيها، فلا مردود ماليا اخر لنا، واولادي صغار، ويحتاجون الى مصاريف كبيرة لاستكمال دراستهم".  
 
لا مجال للاستسلام  
ترفض محاسن الحديث عن التحديات والصعوبات التي واجهتها، على الرغم من انّها حقيقة لا تعد ولا تحصى في المجال الزراعي، من صعوبة الوصول الى المواد الزراعية وغياب خدمات التسويق، الى غلاء المواد الأولية، وتحديات أخرى من الناحية الجسدية البنيوية في عمل شاق يحتاج الى سواعد ذكور لإتمامه.  
وكل ما تفكر فيه محاسن "الإنتاجية"، فعندما تجني المحصول "تنسى كل التعب والصعوبات" على حد قولها، "لا يمكن الاستسلام اريد أن أواجه، وهذا ليس ترفاً بل الواقع الصعب الذي وجدنا أنفسنا فيه بعد مرض زوجي، وتردي الأوضاع المعيشية في لبنان، أقله على مستوى تأمين الأكل والدواء والتعليم للأطفال". وعليه اتخذت محاسن القرار النهائي، "الاتكال على الذات"، وتتابع: "استدنت المال من أقارب في بداية الطريق لأنني لم أكن أملك رأسمال، ولكن بعد ذلك عملت على اكتساب مهارات وأدوات جديدة في العمل، ومذ ذاك الحين لم اضطر ابدا الى الاستعانة بأي شخص لمتابعة العمل في الزراعة". 
 

 
وعلى أبواب الموسم الشتوي، تستعد محاسن لزراعة القمح والشعير، عسى ان تستفيد من خيرات الموسم.
 وعلى مسافة ليست بعيدة منها، استفادت آمنة وهي من النازحات السوريات من مساعدة احدى الجمعيات العاملة في مجال تمكين المرأة في البقاع، التي أمنت لها إضافة الى اخريات من السيدات، خيمة بلاستيكية زراعية بمساحة صغيرة، زرعت فيها البندورة والفليفلة للاستفادة من الموسم الشتوي. تنتظر آمنة مرود "الخيمة" لهذا العام لمساعدة زوجها بإعالة عائلتها، "الأرض لله"، تقول السيدة، و"هذه المساحات الشاسعة التي فرضت علينا ظروف بلدنا أن نلجأ اليها، تساعدنا على الاستمرار وخصوصاً مع الغلاء الكبير. فعلى الرغم من انّ بعض الجمعيات تساعدنا الا انّ الحاجة الى العمل باتت ضرورية". وإذ تعلم أمنة انّ العودة الى سوريا لن تكون حتماً في القريب العاجل، فإنها تعمل على تطوير مهاراتها في تحضير المونة بالمشاركة مع سيدات لبنانية وعرضها في الأسواق، ضمن مشروع يعملن عليه ويتوقعن منه انّ يعود عليهن بدخل جيد. 
 
 
مهارات التسويق 
والى جانب محاسن وآمنة، تجربة لسيدة لبنانية أقل ما يمكن القول فيها انّها ناجحة. هي رتيبة الحاج حسن من بلدة بقاعية، كانت تملك عنزة واحدة تحاول كسب الرزق من خلالها، ولكنّ مع تحديات الحياة المستجدة، لم تعد هذه العنزة تكفي للاحتياج الشخصي من حليب. حصلت رتيبة بعد مشاركتها في دورة تدريبية على مهارات التسويق الزراعي نظمتها "الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب"، على جائزة عبارة عن 4 رؤوس من الماعز، فتوسع مشروعها، حتى باتت اليوم مقصداً لأبناء البقاع الذين يقصدونها للحصول على الحليب بأفضل جودة.
 
تلك القصص الثلاث التي روتها لـ"لبنان 24" هؤلاء النسوة، وعلى الرغم من انّها تحتاج لصفحات واسعة لسرد تفاصيل ما بين الإيجابية والتألم، ما بين الصعوبات والإرادة، الا انّها تشكل حافزاً للاستمرارية في بلد تعصف فيه المشاكل التي تنسحب على لقمة عيش المواطن فتجعله اسيراً للفقر او متمردا على الواقع بالعمل.  
 
الامن الغذائي في خطر 
فأي واقع يشهده لبنان على مستوى الامن الغذائي؟ قبل شهر تقريباً أصدر البنك الدولي تقريراً أوضح انّ منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي أحد أكثر المناطق تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية من حيث الأمن الغذائي، كما "يأتي لبنان في الصدارة من حيث حجم التأثر بأزمة الغذاء، إذ يتم قياس الأثر من حيث معدل تضخم أسعار الغذاء في دول العالم".  
وبعد تقرير البنك الدولي، صدر موجز اخر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان، تطرق الى التحديات الناجمة عن السياق التاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي على مستوى الامن الغذائي، إضافة الى التحديات المستجدة بعد العام 2019، وخصوصاً بعدما تضاعفت معدلات الفقر لتصبح "تقريبا أكثر من 50 بالمئة من السكان". 
والخطورة التي يلحظها التقرير تكمن في التحديات ما بعد العام 2019، حيث كان لانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين بسبب التضخم المفرط وانخفاض قيمة العملة عواقب وخيمة على الأمن الغذائي. وبحسب التقرير فإنّ غالبية الاسر اللبنانية "اتجهت الى أغذية أرخص وأقل تغذية، مما أدى إلى سوء التغذية ونقص التنوع وارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة في كل من المناطق الريفية والحضرية، والتي تصيب الآن 32 في المائة من البالغين".
 
 
اهتمام رسمي  
على المستوى الرسمي، تولي الوزارات المعنية اهتماما بالأمن الزراعي، وكانت مشاركة لوزارة الزراعة في مؤتمر عربي، حيث تم البحث في مشكلة الامن الغذائي، اُتفق خلالها على تشجيع الاستثمار والتبادل التجاري بين الدول المشاركة، إجراء دراسة حول إمكانية انشاء مركز إقليمي للأمن الغذائي في المملكة الاردنية الهاشمية وبما يعزز الخدمات ويرفع قدرة الاستجابة للأزمات في المنطقة، فع مستوى التنسيق لمواجهة كافة تحديات التغير المناخي وشح الموارد المائية وإنتشار الأوبئة.. وغيرها من الأمور التي من الممكن ان تخفف من وطأة الازمة.  
كما أكد وزير الزراعة عباس الحاج حسن في أكثر من مناسبة أنّ "الوزارة تعمل على خلق البيئة المناسبة للنهوض بالقطاع من خلال الارشاد الزراعي، استدامة المياه والطاقة البديلة كي يبقى المنتج اللبناني قادرا على المنافسة بجودته العالية والدخول به نحو اسواق تجارية جديدة". 
ولكن في المقابل، فإنّ جملة التحديات الكبيرة تفرض صعوبات لا يمكن تحملها الا بتضافر جهود كبيرة من وزارات معنية الى جهات مانحة الى جمعيات غير حكومية عاملة في هذا المجال. وهنا يبرز دور الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب، والتي تقدم خدمات كثيرة على هذا المستوى، ويتحدث أحمد شلحة المسؤول الإعلامي في الجمعية عن هذا الدور، مؤكداً انّ الجمعية تعمل على اهداف استراتيجية تستمر لسنوات وخصوصا مع الفئات المهمشة. ويقول احمد: "نسعى الى تحسين الواقع المعيشي من خلال المشاريع التي يتم تنفيذيها لدعم وتمكين الفئات المهمشة وخصوصا في الأرياف والمرأة. وأساس هذه المشاريع تنمية قدرات السيدات وجعلهن مهيآت للانخراط في سوق العمل، وطبعا الجانب الزراعي هو الأولوية".
لكورونا أثر إيجابي  
وبحسب احمد فقد أشرف متخصصون ومهندسون من لبنان وخارج لبنان على دورات تدريبة للاستفادة من العمل في الزراعة وخصوصاً بعد الازمة الأخيرة في لبنان، لناحية تحسين المهارات وتطوير القدرات، "والممتع في هذه المشاريع أننا أعدنا روحية الى الزراعة، بعدما هجر كثيرون هذا القطاع والتجأوا الى قطاع الخدمات أو غيره". وبحسب احمد فقد كان لفترة جائحة كورونا أثر إيجابي، حيث "وجدنا انّ غالبية سكان القرى بدأوا يزرعون في مساحات صغيرة الى جانب بيوتهم، ومن ثم بدأوا بتطوير العمل عندما وجدوا انّ الزراعة تعود بإنتاجية لا بأس بها على المزارع". 
وينقل احمد أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي وأولها حالة الطقس التي من الممكن أن تضرب محصولاً بأكمله، "وحتماً الدولة غير قادرة على التعويض في هذا الإطار، لذا نسعى الى القيام بهذا الدور قد الإمكان، والمساعدة في تأمين المواد الأولية للمزارعين وخصوصاً بعدما أصبحت كل المواد بالفريش دولار وهذا ما ليس بإمكانية المزارع الصغير". 
وإذ يشجع احمد الافراد على الانخراط في العمل الزراعي، يؤكد انّ الوزارات المعنية وخصوصاً وزارة الزراعة تقوم بواجباتها لكن "لا يجب ان ننسى انّ موازنة وزارة الزراعة ليست كبيرة جدا. لذا سنبقى نشجع السيدات والجميع على الزراعة والمساعدة في منع القطاع الزراعي من الانهيار وهذا واجبنا جميعا". 
هكذا، أثبتت المرأة اللبنانية مجددا قدرتها على التكيف مع الازمات ومواجهة التحديات، رافضة انّ تكون الا الركن الأساس للزراعة في الريف. وحتما فانّ أي هجرة للمرأة في القطاع الزراعي او غيره، يمس ايضاً دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي ككل، لانّ تعزيز حضورها في مختلف القطاعات يحسن من دورها الاجتماعي. 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك