الأزمة الصحية والبيئية لاحت في أفق البلدة المترامية في سفوح السلسلة الشرقية، بعدما قلّصت منظمة اليونيسف، ابتداءً من مطلع الشهر الجاري، كمية شفط مياه الصرف الصحي من الجور الفنية للفرد الواحد من 18 ليتراً الى ليترين فقط في اليوم الواحد، بالإضافة إلى تقليص كمية المياه النظيفة التي تُسلّم للفرد الواحد من 27 ليتراً إلى 7 ليترات في اليوم، وذلك على الرغم من علم
الأمم المتحدة والمنظمة نفسها وباقي الجمعيات المقدّمة للخدمات، مدى المعاناة التي يعيشها النازحون السوريون وتوجيهاتهم الدائمة لهم بالمحافظة على نظافتهم لعدم انتشار الأمراض المعدية كالكوليرا والكورونا والجرب وغيرها.
أزمة صحية
فعلياً، بدأت مستوصفات في عرسال ترصد حالات تسمّم وإصابات بالأمعاء وسط تململ واستياء عارمين من معظم المجتمع العرسالي، الذي بدأ بالتعبير عن سخطه من الوضع الذي آلت اليه الأمور. يشكو البعض من تسرّب مياه الصرف الصحي إلى غرف منازلهم المنخفضة أو محيطها، فيما يعاني البعض الآخر من الروائح الكريهة جداً، ومن وجود حشرات وزواحف بالإضافة إلى إصابات صحية لدى الأطفال. الوضع المزري دفع بما يقارب 300 شاب وشابة من شبان عرسال إلى قطع الطريق عند مدخل البلدة أمام سائر الجمعيات المعنية بالأمر، في خطوة للتعبير عن سخطهم ورفضهم لقرار منظمة اليونيسف القاضي بتخفيف كمية شفط المياه الآسنة.
خالد، أحد أبناء البلدة، أكّد أن الوضع "لم يعد يطاق... شيء مقرف... ما فيك تطلع لبرا بيتك أو تعبر شارعاً في عرسال بسبب الروائح. وحتى هناك أحياء في عرسال، شوارعها غارقة بالمياه المبتذلة". فيما عبّر أحمد عن تخوّفه من أن يكون "هدف الجمعيات إيصال الأمور إلى مرحلة الصدام بين السوريين وبين العراسلة، ما فيني شوف ابني عم يعاني وما عم نقدر نتنفس من الروائح ونبقى قاعدين ناطرين مصيرنا".
تؤكد ريما كرنبي، عضو مستقيل في بلدية عرسال، أن البلدة "تعيش أزمة فعلية منذ شهر تقريباً، بعدما أبلغت "اليونيسف" الجمعيات التي تعمل كشريك لها في مجال المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة وتقليص كمية المياه النظيفة للسوريين من 27 ليتراً الى 7 ليترات فقط للفرد الواحد في اليوم الواحد، متذرّعة بحجج واهية بأن التخفيض سببه ضعف في التمويل. الجمعيات المعنية بدأت فعلياً تطبيق عملية تقليص تسليم المياه النظيفة وسحب المياه الآسنة من الحفر الصحية، الأمر الذي سمح بتسرّب مياه الصرف الصحي إلى شوارع الأحياء ومنازلها، ودفع العراسلة والسوريين إلى رفع الصوت، ما استدعى مني التوجه إلى الشيخ بكر الرفاعي الذي وعد بالتواصل مع المحافظ لمعالجة الأمر". وتؤكد كرنبي أن "الحلول تأخرت مع بروز ملامح حالات صحية، واستياء من الأهالي، وسط تخوّف من حصول صدامات بين العراسلة والسوريين، وخصوصاً القاطنين بالقرب من المخيمات".
في بلدة عرسال وأحيائها ينتشر 164 مخيماً، أكبرها مخيم العماني في وادي الحصن، الذي شبّ حريق هائل فيه صباح أمس التهم أكثر من 95 خيمة من أصل 200 خيمة. يتكتم الجميع على أسباب الحريق: هل هو مفتعل أم لا، وما إن كان حصل على خلفية الأزمة الحالية؟
لا يجيب النائب ملحم الحجيري على السؤال، بل يوجّه المشكلة نحو أصلها، محمّلاً الأمم المتحدة والمنظمات المانحة "المسؤولية كاملة تجاه
النازحين السوريين، إذ لا يمكن تحميل عرسال أي مسؤولية عن أيّ ردة فعل قد يقوم بها أبناؤها، فالأمم المتحدة المانحة والداعمة والمحرّضة على القتال والتهجير بإغراءات معيّنة هي من أوصلتنا إلى هنا، علماً أن العطاءات للنازحين لا شيء بالمقارنة مع ما يعانيه هذا الشعب".