Advertisement

مقالات لبنان24

عشيّة ذكرى "حرب النكسة" وأخواتها.. تصبحون على انتصار!

جمال دملج

|
Lebanon 24
04-06-2017 | 09:00
A-
A+
Doc-P-319359-6367055465769429141280x960.jpg
Doc-P-319359-6367055465769429141280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا شيء يُفترض أن يكون أقسى على ذاكرة العرب في تاريخهم الحديث أكثر من استحضار ذكرى النكسة الناجمة عن هزيمتهم المدوِّية أمام إسرائيل في حرب الأيّام الستّة التي اندلعت على الجبهات المصريّة والسوريّة والأردنيّة بين يوميْ الخامس والعاشر من شهر حزيران عام 1967، أي قبل خمسين عامًا بالتمام والكمال، ولا سيّما أنّ كافّة تداعيات النكبة التي سبقت ذلك بتسعةَ عشرَ عامًا ونيّف لدى الإعلان عن قيام الدولة العبريّة فوق مساحة عشرينَ ألفًا وسبعِمئةِ كيلومترٍ مربَّعٍ من إجماليّ مساحة فلسطين التاريخيّة في شهر أيّار عام 1948، سرعان ما بدت أقلَّ قسوةً بكثيرٍ قياسًا بما آلت إليه نتائج الهزيمة المدوِّية المذكورة، وخصوصًا بعدما تمكَّن الإسرائيليّون وقتذاك من بسط سيطرتهم على المزيد من الأراضي العربيّة في كلٍّ من الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة وصحراء سيناء ومرتفعات الجولان، لتصل المساحة الجغرافيّة التي خضعت للاحتلال إثر ذلك إلى نحو تسعةٍ وستّينَ ألفًا وثلاثمئةٍ وخمسين كيلومترًا مربّعًا، أي ما يعادل ثلاثةَ أضعافِ المساحة التي خُصِّصت أصلًا لإقامة الوطن القوميّ اليهوديّ في إطار "وعد بلفور" الشهير، الأمر الذي يفسِّر أسباب الإصرار على اعتبار أنّ الصدمة التي أحدثتها النكسة في أوساط العرب فاقت من حيث شدّتها وهولها ما أحدثته النكبة بثلاثةِ أضعافٍ وأكثر. وإذا كان الكثير من الدراسات والتحليلات قد وصل على مدى العقود الخمسة الماضية إلى حدّ الاستفاضة في توصيف النتائج والانعكاسات الكارثيّة التي خلّفتها الهزيمة وراءها في المجتمعات العربيّة من المحيط إلى الخليج، بدءًا من الآثار النفسيّة الناجمة عن التباين الهائل في حجم الخسائر التي تكبّدها الطرفان العربيّ والإسرائيليّ في خضمّ معمعة الحرب، مرورًا بالارتدادات السلبيّة اللاحقة لتلك الآثار على نبض العمل القوميّ والوحدويّ الذي كان قد وصل إلى ذروته قبل ذلك بتسعِ سنواتٍ على خلفيّة الانتصار المعنويّ الذي حقّقه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أعقاب العدوان الثلاثيّ على مصر عام 1956، ووصولًا إلى ما ترافق بالتدرُّج مع ذلك من تداعياتٍ لفتح الأبواب على مصاريعها أمام خيارات الاتّجاه صوب الحلول الاستسلاميّة مع إسرائيل فيما بعد، سواءٌ في السرّ أم في العلن، فإنّ تلك الدراسات والتحليلات غالبًا ما تفادت إيفاء الظروف والأسباب التي أدّت إلى تكبُّد الهزيمة حقّها كاملًا من البحث والتمحيص، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار الفرضيّة القائلة بأنّه إذا كان لنكبة عام 1948 ما يبرِّرها نظرًا لأنّ الدول العربيّة كانت حديثةَ العهدِ من حيث تاريخ استقلالها عن المستعمِر الأجنبيّ، وبالتالي طريّةَ العود من حيث مقوِّمات مؤسّساتها السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، فإنّ لا شيء يمكن أن يبرِّر حدوث نكسة عام 1967 بأيّ شكلٍ من الأشكال، نظرًا لأنّ السنوات التسعَ عشرةَ الفاصلة ما بين النكبة وما بين النكسة كانت كفيلةً بالتأكيد لبناء جيوشٍ عربيّةٍ قويّةٍ، على أساس أنّ ذلك لا بدّ من أن يكون في المحصّلة النهائيّة بمثابة "أضعف الإيمان" طالما أنّ المزاج العربيّ العامّ كان ميّالًا بوضوحٍ وقتذاك لصالح خوض الحرب. الحفل الساهر في أنشاص! على هذا الأساس، ربّما كان من المفيد هنا استحضار إحدى الوقائع الهامّة التي سجّلها يوم الرابع من شهر حزيران عام 1967، أيْ في مثل هذا اليوم تمامًا قبل نصفِ قرنٍ من الزمان، وذلك عندما قرَّرت هيئة التوجيه المعنويّ في الجيش المصريّ إعادة إحياء حفلٍ فنّيٍّ ساهرٍ في قاعدة أنشاص الجوّيّة بعدما كانت قد أقدمت على إلغائه يوم الأوّل من حزيران لأسبابٍ مجهولةٍ، الأمر الذي استوجب الاتّصال في الصباح مع قائد "الفرقة الذهبيّة" الموسيقار صلاح عرام بغية إبلاغه بوجوب اتّخاذ الاستعدادات الكفيلة بافتتاح برنامج الحفل عند الساعة التاسعة مساءً، قبل أن يسارع الموسيقار المذكور بدوره إلى الاتّصال مع عددٍ من الفنّانين والفنّانات للغرض نفسه، ومن بينهم محمد رشدي وفايدة كامل وماهر العطّار وشهرزاد، إضافةً إلى الراقصة زينات علوي، ليصل الجميع لاحقًا إلى أكبر القواعد الجوّيّة المصريّة قبل الموعد المحدَّد لافتتاح برنامج الحفل بعدّةِ ساعاتٍ، على أن ينضمّ إليهم عند منتصف الليل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. وبحسب ما ذكره الموسيقار عرام في حديثٍ سابقٍ وقديمٍ لصحيفة "الوفد" المصريّة، فإنّ الحفل بدأ في موعده، قبل أن يتوقّف لدقائقَ معدودةٍ فقط إثر الإعلان عن تحليق طائرتين حربيّتين إسرائيليّتين فوق قطاع غزّة الذي كان خاضعًا حينذاك للسيادة المصريّة، الأمر الذي استوجب إدخال المدنيّين إلى الملاجىء بشكلٍ مؤقَّتٍ، وتسبَّب في دفع العندليب الأسمر على الاعتذار عن عدم تمكّنه من المشاركة، وذلك على رغم أنّ الحفل سرعان ما استؤنف بعد قليلٍ وراح يُبثّ مباشَرةً عبر أثير الإذاعة المصريّة. خيانة عظمى أم دعاية؟ لا شكّ في أنّ أكثر ما بدا لافتًا في هذه الواقعة هو أنّ برنامج الحفل الذي كان يُفترض أن يُختتَم عند الساعة الثالثة من فجر الخامس من حزيران استمرّ لغاية الساعة السادسة صباحًا، أيْ إلى ما قبل شروع المقاتلات الإسرائيليّة بالإغارة على القواعد العسكريّة المصريّة بمجرَّد ساعتين وخمسٍ وأربعين دقيقةً فقط، الأمر الذي كان لا بدّ له من أن يشي في بعض تجلّياته بوجودِ خيانةٍ عظمى تسبَّبت بما تسبَّبت به من خسائرَ فادحةٍ جرّاء هذه الحرب، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ غالبيّة ضبّاط سلاح الجوّ المصريّ كانوا حاضرين أثناء الحفل الفنّيّ الساهر في قاعدة أنشاص، علاوةً على أنّ انهيار الجبهة المصريّة على هذا القدْر من السرعة كان لا بدّ من أن يؤثِّر بدوره على معنويّات الجنود الذين كانوا يحاربون على الجبهتين السوريّة والأردنيّة بكلّ تأكيد. وإذا كان الرئيس المصريّ الأسبق حسني مبارك قد تحدَّث بإسهابٍ في مذكّراته عمّا حدث في مثل هذا اليوم قبل خمسين عامًا، ولكنْ من زاوية أنّ الإسرائيليّين بالغوا في الترويج لواقعة الحفل الفنّيّ الساهر عشيّة اندلاع الحرب بما يخدم مصالح دعايتهم الرسميّة الموجَّهة، وبغضّ النظر عمّا إذا كان على حقٍّ أم إنّه أراد الترويج بدوره لدعاية بلاده الرسميّة الموجَّهة، فإنّ ما لا يقبل الجدل هو أنّ ذلك الحفل لم يكن أكثر أو أقلّ من نذير شؤمٍ في التاريخ العربيّ الحديث بكلّ ما في الكلمة من معنى، ولدرجةٍ تجعل من الجائز القول إنّه هو الذي تسبَّب في تراجع إقبال الجماهير خلال العقود الخمسة الماضية على أعمالٍ فنّيّةٍ لطالما كان الهدف منها حثّهم على استنهاض شعورهم القوميّ، مثل أغنية "أصبح عندي الآن بندقيّة.. إلى فلسطين خذوني معكم" لكوكب الشرق السيّدة الراحلة أم كلثوم التي تكاد تصبح مع الأغنية المذكورة في طيّ النسيان. بين الإحباط والتحدّي! ولعلّ ما يؤكِّد هذا التراجع أيضًا هو أنّ أغنية "زهرة المدائن" لسفيرة لبنان إلى النجوم السيّدة فيروز، وإنْ كانت الأصدق من نوعها في مناجاة مدينة القدس بكافّة شوارعها ومساجدها وكنائسها، ولكنّها لم تحُل في نهاية المطاف دون أن يعبِّر الشاعر الراحل نزار قبّاني بنفس القدْر من الصدق عن حجم إحباطه، تحت تأثيرات النكسات العربيّة المتتالية الواحدة وراء الأخرى، عندما قال: "عفوًا فيروز ومعذرةً، أجراس العودة لن تُقرَع.. خازوقٌ دُقَّ ولن يُقلَع، من شرم الشيخ إلى سعسع". من هنا، يصبح في الإمكان القول بكلّ أمانةٍ إنّ لا شيء أقسى من نكسة حزيران على ذاكرة العرب سوى النكسات العربيّة – العربيّة المتتالية والتي يُتوقَّع أن تستمرّ في التكاثر مثل الثرثرة حسب ما درجت عليه العادة منذ خمسين عامًا ولغاية اليوم، اللهمّ إلّا إذا توقّفنا عن الثرثرة لنواجه التحدّيات المحيطة بنا من كلّ حدبٍ وصوب، سواءٌ في حالة الحرب أم في حالة السِلم، علّ ذلك يؤهّلنا يومًا لكي نكون بحجم المسؤوليّات والتحدّيات ونصحو على انتصار.. والخير دائمًا من وراء القصد!
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك