من بيت الدين.. جوردي سافال يحرر الموسيقى من عصورها

أكثر من أمسية موسيقية، ما شهدته مهرجانات بيت الدين ليلة الخامس من تموز، من خلال رائعة جوردي سافال بعنوان "على خطى ابن بطوطة" Jordi Savall and the Hespèrion XXI ,Ensemble in Ibn Battuta The traveller of islam. ففي أرجاء قصر الأمير بشير الثاني الشهابي تقمّص الماضي زمن الحاضر، وعلى خشبة التاريخ وقدسيته تخلّى الكون لمدة ساعتين من الزمن عن الفواصل التاريخية والحدود الجغرافية، وبسحر موسيقاه جمعنا الأسباني جوردي سافال بابن بطوطة، وكأننا نعيش زمانه، وسوياً ذهبنا جميعاً في رحلة دامت ثلاثين عاماً ، حيث اصطحبنا معه أحد أوائل رحالة التاريخ إلى المغرب وأفغانستان مروراً بطنجة ومصر ومكة والعراق وإيران،واكملنا طريقنا إلى آسيا الوسطى والهند والصين والمالديف وغرناطة. لم نكن عابري سبيل أبداً ،وثّقنا بريشته حضارات شعوب وتقاليد أمم ،وتذوّقنا الموسيقى نفسها التي تذوّقها ابن بطوطة خلال زياراته للقصور الملكية والمدن والبلدات. إلى كل تلك الأصقاع أرشدتنا لغة واحدة وهوية كونية جامعة، هي لغة الموسيقى التي أبدع في اتقانها الموسيقي العالمي جوردي سافال وفرقتهHespèrion XXI، وبمشهديةٍ استثنائيةٍ رأيناهم يحررون الموسيقى من جنسياتها المختلفة بين قناطر قصر بيت الدين، فإذا بالموسيقى العربية تعانق تلك الصينية والهندية والأندلسية وموسيقى العصور الوسطى الأوروبية، لتروي يوميات ابن بطوطة ومشاهداته أثناء سفره وتجواله، وصوراً حيّة عن روعة مغامراته على مسافة ما يقارب 120 ألف كيلومتر قطعها الرحالة ابن بطولة ،ولكلّ قصة ومغامرة ورواية ابتكر الموسيقي سافال مقطوعة تحاكيها ،وشاركه في هذا العرض الغنائي الموسيقي المتنوع إلى جان فرقته، موسيقيون ضيوف من ست عشرة جنسية، من الصين وسوريا وأرمينيا واليونان وتركيا وغيرها من البلدان والثقافات المشمولة في ترحال ابن بطوطة، كما شارك في العرض الممثل القدير بديع ابو شقرا في دور الراوي وعازفة العود السورية وعد بوحسون. ابن بطوطة رحّالة عصره الملقّب بـ "رحّالة الإسلام"، "مسافر العرب" أو "ماركو بولو العرب "جاب العالم على مدى ثلاثين عاماً، وفي مجلّده التاريخي دوّن سيرة رحلاته ومغامراته، تحت عنوان "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" منهياً روايته عام 1355. أمّا جوردي سافال الباحث دوماّ عن الكنوز الموسيقية القديمة ،أدّى عزفاً على آلة كمان الساق وقاد فرقته الموسيقية إلى تلك القرون وروائعها الموسيقية ،وفي أمسيته الخلاّبة أخذته آلة الفيولا إلى القرون الوسطى فحوّل الموسيقى إلى لغة تواصل بين الشعوب والحضارات أو"حوار الأرواح" كما يحلو له أن يسمّيه ،وأبدع في اتقان موسيقى الحقبة الممتدة منذ القرون الوسطى وعصر الباروك، والتراث الموسيقي الإسباني الأندلسي، وهو الذي يمتلك في رصيده سجّلاً موسيقياً حافلاً، بلغ 230 أسطوانة والعديد من الجوائز والميداليات.