Advertisement

مقالات لبنان24

فضائح الرؤساء الأميركيّين.. وأزمة النزاهة في صحافة البيت الأبيض!

جمال دملج

|
Lebanon 24
07-01-2018 | 01:31
A-
A+
Doc-P-420736-6367056229150194071280x960.jpg
Doc-P-420736-6367056229150194071280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
على رغم تعدُّد الحجج والبراهين التي ما زالت تُثبت يومًا بعد يومٍ أنّ سيِّد البيت الأبيض الحاليّ دونالد ترامب بات مصنَّفًا بامتيازٍ في محافل السياسة العالميّة بصفته الرئيس الأكثر إثارةً للجدل في تاريخ الولايات المتّحدة الأميركيّة، فإنّ مؤشِّر الرهانات الموضوعة في هذه الأيّام حول ما إذا كانت المعلومات المثيرة التي تضمَّنها الكتاب الصادر تحت عنوان "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" للصحافيّ الأميركيّ مايكل وولف ستؤدّي إلى الإطاحة به أم لا، ما زال يدلّ إلى وجود تقارُبٍ واضحٍ في منسوب الاحتمالات المتعلِّقة بفرص الربح والخسارة، الأمر الذي يجعل محاولة التكهُّن بالنتيجة النهائيّة سابقةً لأوانها، اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر، ولا سيّما بعدما علَّمتنا تجارب السنوات العشرين الماضية أنّ الإدارات الأميركيّة غالبًا ما كانت تنجَح بتفوُّقٍ في مجال احتواء الفضائح التي تطالها، وأحيانًا في مجال تجيير تداعيات هذه الفضائح لصالح المتورِّطين فيها، على غرار ما حصل مثلًا في أعقاب تفجُّر قضيّة العلاقة الجنسيّة الشهيرة بين الرئيس بيل كلينتون والمتدرِّبة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي عام 1998. لا شكّ في أنّ أكثر عناصر التشويق والإثارة في تفاصيل هذه القضيّة، وإنْ كانت قد بقيت محصورةً في البداية ضمن نطاق الأخلاقيّات التي يُفترَض أن تردَع رئيس أكبرِ دولةٍ في العالم عن الإقدام على فِعلته خلف جدران المكتب البيضاويّ، ولكنّها ما لبثت أن خرجَت لتصِل إلى ما هو أبعد من هذا النطاق بكثيرٍ، وخصوصًا بعدما أقسَم الرئيس كلينتون عبر شاشات التلفزة بأنّه لم يُقِم أيَّ علاقةٍ جنسيّةٍ مع مونيكا لوينسكي، قبل أن يكتشف القاصي والداني في اليوم التالي أنّه كذَب على الناس، ليبقى إثر ذلك في موقعه الرئاسيّ طيلة عاميْن كامليْن من الزمان، حظيَ خلالهما بتعاطُفٍ مثيرٍ للجدل من زوجته هيلاري التي يُفترَض أن تكون الأكثر تضرُّرًا من حيثيّات هذه القضيّة – الفضيحة – الخيانة، وهو التعاطف التي قيل في حينه إنّ السيّدة الأميركيّة الأولى استهدَفت من ورائه العمل على كسْبِ ودِّ الأميركيّين ودغدغةِ مشاعرهم عن طريق إقناعهم بأنّها أرادت التضحية من أجل المحافظة على تماسُك الأسرة في الولايات المتّحدة، أملًا في أن يؤهِّلها ذلك للدخول إلى الحياة السياسيّة المحلّيّة من بوّابتها العريضة، حسب ما حدَث لاحِقًا بالضبط. مسلسل الفضائح وإذا كانت سنوات القرن العشرين قد انتهت بهذه الفضيحة بينما كان الرئيس كلينتون لا يزال يمارس صلاحيّاته كاملةً في البيت الأبيض، فإنّ السنة الأولى من سنوات القرن الحادي والعشرين كادت تنتهي بدورها على وقعِ فضيحةٍ من نوعٍ آخَر، ولا سيّما إذا أعدنا للذاكرة أنّ الإعلان عن الفوز الذي حقَّقه المترشِّح الجمهوريّ جورج دبليو بوش على غريمه المترشِّح الديمقراطيّ آل غور في انتخابات عام 2000، لم يتمّ إلّا بعدما أُجريَت عمليّةُ فرزٍ يدويٍّ لأصوات المقترعين في فلوريدا، الأمر الذي استغرق إنجازه خمسةً وثلاثينَ يومًا بالتمام والكمال. وعلى رغم أنّ الشكوك حول الجدوى من إجراء عمليّة إعادة الفرز يدويًّا في أكبر دولةٍ تكنولوجيّةٍ في العالم ظلَّت تُساور الكثيرين على مدى الأشهر التالية، فإنّها بقيت في المحصِّلة النهائيّة خارج نطاق التداول كمادّةٍ لفضيحةٍ كبرى، تمامًا مثلما حصَل لاحقًا في انتخابات عام 2008 عندما تمّ احتواء الأنباء المتعلِّقة بإقامة إحدى عمّات المترشِّح الديمقراطيّ باراك أوباما في بوسطن، بشكلٍ مخالِفٍ لقوانين الهجرة الأميركيّة، قبيْل الإعلان عن فوزه على غريمه المترشِّح الجمهوريّ جون ماكين، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الاستمرار في تركيز التصويب الإعلاميّ على مثل هذه الأنباء التي تنال من سمعة عائلة أوباما في أوساط المقترِعين، وفقًا للمنطق، كان من شأنه أن يؤدّي بكلِّ سهولةٍ إلى قلب موازين القوى الانتخابيّة بأكملها لصالح ماكين. الحالة الترامبيّة من هنا، يُصبح في الإمكان تأكيد مدى صوابيّة البديهيّة القائلة بأنّ ثمّة ما يفوق بأهمّيّته عادةً على كاريزميّة الرؤساء الأميركيّين الذين تسلَّموا مقاليد الحكم في البيت الأبيض خلال التاريخ الحديث، ويتمثَّل أوّلًا وأخيرًا في براعة ما يُسمّى مجازًا بـ "مؤسّسة الظلّ الرئاسيّة" التي درجت العادة على أن تصنعهم وتعجنهم وتخبزهم في الخفاء، وكذلك في دهاء خططها التقليديّة الكفيلة بتوفير أكثر المناخات ملاءَمةً لضمان استمرار عمل إداراتهم بسلاسةٍ طالما أنّهم يضمنون المحافظة على مصالح أقطابها المعلَنين وغيرِ المعلَنين من أساطين المال والأعمال، وهي المؤسّسة التي يبدو أنّ من سوء حظّ الرئيس دونالد ترامب أنّه تمكَّن من اختراق خطوطها الحمراء بتفوُّقٍ مبهِرٍ في انتخابات عام 2016 الأخيرة من دون أن يكون منتميًا إلى صفوفها في الأصل. وعلى هذا الأساس، وبالنظر إلى أنّ سيل الأمثلة على الجهود التي بذلتها المؤسّسة المذكورة طيلة الأشهر الماضية من أجل كبح جماح الرئيس الأشقر القادم إلى الحكم على أكتاف امبراطوريّته العقاريّة الخاصّة له أوّلٌ وليس له آخِر، فأغلب الظنّ أنّ الهدف من وراء إصدار الكتاب الجديد تحت عنوان "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" في هذا التوقيت بالتحديد لا يخرج عن السياق العامّ لتلك الجهود، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المؤلِّف لم يتردَّد في الإعراب عن أمله في أن تؤدّي المعلومات المنشورة بين دفّتيْ كتابه إلى وضعِ حدٍّ لمسألة بقاء الرئيس ترامب في منصبه لغاية انتهاء ولايته بعد قرابة الثلاثة أعوامٍ من الزمان. هذا الأمل، وإنْ كان قد بُنيَ في الأساس على ما قُدِّر للتاريخ الأميركيّ أن يُسجِّله عن الدور البارز الذي لعبته الصحافة المحلّيّة في إجبار الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة عام 1974 بعدما اتّضح أنّ الحزب الجمهوريّ الذي ينتمي إليه كان يتجسّس على الحزب الديمقراطيّ في مجمَّع ووترغيت الشهير في واشنطن خلال انتخابات عام 1972 التي أسفرت عن فوزه، ولكنّ ما يدفع على الاعتقاد بأنّ لا أمل في إسقاط سيناريو السبعينيّات على الحالة الترامبيّة الراهنة، يتمثَّل في أنّ الصحافة الأميركيّة وقتذاك، شأنها شأن الصحافة العريقة في أماكنَ مختلفةٍ من العالم الحرّ، بما فيها لبنان، كانت لا تزال منزَّهةً عن ارتكاب خطايا الارتهان للسلطة السياسيّة، خلافًا لما هو الحال عليه في هذه الأيّام التي بلغ فيها استشراس منظومات المال والأعمال الإعلاميّة في مجال العمل على تشويه ماضي الشعوب وحاضرها ومستقبلها حدًّا لا يُطاق. كلاب حراسة الديمقراطيّة ولعلّ أفضل تجسيدٍ لواقع حال الصحافة الأميركيّة خلال السنوات العشرين الماضية كان قد ورد في كتابٍ شيِّقٍ صدر لعميدة المراسلين المعتمَدين السابقة في البيت الأبيض هيلين توماس عام 2006 تحت عنوان "كلاب حراسة الديمقراطيّة"، وهو الكتاب الذي شرحت فيه المؤلِّفة الراحلة، اللبنانيّة الأصل، ما الذي حدث لدور وسائل الإعلام الأميركيّة، وكيف تحوَّلت من كلابٍ يقِظةٍ تراقب الممارسة الديمقراطيّة وتنقض على كلّ من يحاول النيْل منها، وتقوم بمهمّة السلطة الرابعة، إلى كلابٍ أليفةٍ تجلس على حجر البيت الأبيض، وتراعي مصالح الشركات الأميركيّة الكبرى. كتابٌ، وإنْ كان من غير الممكن اختزال مضمونه في مجرَّدِ فقرةٍ من مقالٍ، نظرًا لأنّ المؤلِّفة التي توفيَّت عام 2013 كانت قد وضعت بين دفَّتيْه عصارة تجربتها في مجال معاصرة تسعِ ولاياتٍ متتاليةٍ لرؤساءَ مرّوا على البيت الأبيض، ولكنّ الغرض من استحضاره هنا في سياق الحديث عن الفضائح الآنفة الذكر، يتمثَّل في أنّه يكشف السرّ الذي مكَّن الرئيس جورج دبليو بوش من الاحتفاظ بمنصبه على رغم تداعيات فضيحة قيام الجنود الأميركيّين بإساءة معاملة المعتقَلين العراقيّين في سجن أبو غريب في بغداد عام 2004، وخصوصًا من جهة أنّ للفضائح في الولايات المتّحدة فوائدُ.. وحسبي أنّ إصدار كتاب مايكل وولف الأخير لا يخرج عن سياق الرغبة في تحقيق مثل هذه الفوائد، ولكن لصالح المؤسّسة التي تصنع الرؤساء هذه المرّة، وليس لصالح الرئيس الذي أتى في غفلةٍ من الزمان عنها.. وممّا لا شكّ فيه أنّ ملامح الإجابة عن السؤال المتعلِّق بما إذا كان الكتاب الجديد مجرَّدَ "فركةِ إذنٍ" للرئيس ترامب أم إنّه "ضربةٌ قاضيةٌ" له ستظهَر في غضون الأيّام القليلة المقبلة.. وما على العالم إلّا الترقُّب والانتظار.
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك