Advertisement

مقالات لبنان24

العرب.. وإشكاليّة تقاطُع الفكر مع السياسة في "منتدى فالداي" الروسيّ!

جمال دملج

|
Lebanon 24
21-02-2018 | 09:57
A-
A+
Doc-P-441711-6367056360653016211280x960.jpg
Doc-P-441711-6367056360653016211280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا يختلف اثنان ممَّن قُدِّر لهم متابعة فعاليّات الدورة الخامسةَ عشرةَ لـ "منتدى فالداي الدوليّ للحوار" في موسكو خلال اليومين الماضيين على أنّ معظم المشاركين تمكَّنوا من الإبحار في مضائق الأزمات الشرق أوسطيّة بما تشتهي سفن المنظِّمين، ولا سيّما بعدما كانت محاور جلسات النقاش قد تركَّزت على ملفّاتٍ شائكةٍ ومعقَّدةٍ عديدةٍ، بدءًا من مستقبل سوريا بعد الحرب، مرورًا بالأزمة الليبيّة الراهنة والمأساة المنسيّة في اليمن ومصير الأكراد في المنطقة وآفاق التسوية بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، ووصولًا إلى دور إيران الإقليميّ، وهي الملفّات التي لا يختلف اثنان أيضًا على أنّها تبقى الأكثر إلحاحًا من سواها في هذا العالم الحافل بالتنافس على المصالح والنفوذ، وذلك بالنظر إلى أنّ تداعياتها الخطيرة ما زالت تتفاقم يومًا بعد يوم. وإذا كان الغرض المرجوّ من وراء إطلاق هذا المنتدى في دورته الأولى عام 2004 قد تمثَّل في وجوب التأكيد على أهمّيّة تقاطُع الفكر مع السياسة، عن طريق التأسيس لمنصّةٍ حواريّةٍ حيويّةٍ تُعنى بمناقشة القضايا الدوليّة الحسّاسة وتبادل الآراء حولها بين الخبراء الأكاديميّين في مختلف المجالات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، بما يوفِّر فرص التوصُّل إلى خلاصاتٍ واستنتاجاتٍ من شأنها تشجيع قادة الدول على اتّخاذ القرارات الصائبة بخصوص سبُل معالجتها، فإنّ الدورة الخامسةَ عشرةَ التي اختتَمت أعمالها مساء أمس الثلاثاء، لم تخرج في المحصِّلة النهائيّة عن هذا السياق، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ إعلان المتحدِّث باسم الرئاسة الروسيّة ديميتري بيسكوف عن الاتّفاق على عقد القمّة الثلاثيّة الروسيّة – التركيّة – الإيرانيّة في اسطنبول خلال شهر نيسان المقبل، جاء في الأساس بعدما تمكَّن المشاركون في المنتدى من التوصُّل إلى خلاصةٍ مؤدّاها أنّ هذه القمّة سيكون لها بالغ الأثر في تحديد مسار إبرة بوصلة المستقبل السوريّ، على رغم التوجُّس الحاصل جرّاء استمرار إرهاصات عمليّة "غصن الزيتون" في عفرين، وهي الإرهاصات التي يُفترَض أن يسعى الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب طيّب أردوغان وحسن روحاني إلى احتواء تداعياتها، بما يضمن وضعها تحت السيطرة، وبالتالي، بما يوفِّر المناخات الملائمة للتركيز على الإرهاصات الأدهى والأخطر، والمتمثِّلة بما وصفه وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف أمام المشاركين بـ "اللعب الأميركيّ بالنار في سوريا". الحروب الخاسرة علاوةً على ذلك، فقد جاءت مشاركة الرئيس اليمنيّ الجنوبيّ السابق علي ناصر محمد في فعاليّات المنتدى لتعيد إلى الأذهان صورًا تاريخيّةً عن بدايات الأزمة الداخليّة في بلاده في مطلع عقد الستّينيّات من القرن الماضي، وذلك عن طريق التذكير بأنّ التدخُّل المصريّ كان قد بدأ عام 1962 بإرسال سريّةٍ مؤلَّفةٍ من سبعينَ عسكريًّا فقط، قبل أن تتشعَّب الأزمة وتشتدّ المواجهات ويرتفع عدد الجنود المصريّين إلى سبعينَ ألفًا، وقبل أن يضطرّ الزعيمان الراحلان الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس جمال عبد الناصر إلى احتواء الموقف والحدّ من التصعيد أثناء لقائهما على هامش فعاليّات قمّة جامعة الدول العربيّة في الخرطوم في أعقاب "نكسة حزيران" عام 1976، وهو اللقاء الذي أدَّت إعادة التذكير به في جلسات منتدى فالداي الروسيّ إلى فتحِ نافذةٍ للتأمُّل في فرضيّةٍ مؤدّاها أنّ أيَّ جهدٍ يمكن بذله في الوقت الحاليّ من أجل إتمام لقاءٍ سعوديٍّ – إيرانيٍّ مماثلٍ، لا بدّ من أن يساعد في نهاية المطاف على إيجادِ تسويةٍ نهائيّةٍ للأزمة اليمنيّة الراهنة، بما يضمن الحدّ من إراقة المزيد من الدماء، ولا سيّما أنّ العِبرة هنا تتمثَّل في وجوب التأكيد على أنّ الحروب في اليمن السعيد لم تُنتِج في خضمّ تداعياتها على مرّ التاريخ إلّا المزيد من الحروب. المبادرة الإيرانيّة من هنا، يمكن القول إنّ إعلان وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمد جواد ظريف أمام المشاركين في المنتدى نهار أمس الثلاثاء عن أنّ بلاده تسعى إلى وضع هيكليّةٍ جديدةٍ للأمن الإقليميّ لا تسمح بهيمنة "قوّةٍ محدَّدةٍ" عليها، في إشارةٍ إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وتشديده على أهمّيّة الرعاية الأمميّة لهذه الهيكليّة، جاء في سياق خطوةٍ جريئةٍ من شأنها أن تفتح أبواب المنطقة مجدَّدًا أمام منظّمة الأمم المتّحدة لكي تلعب الدور الذي يليق بمكانتها في مجال تحقيق التوازن وضبط مكياله بين المتصارعين على المصالح والنفوذ في أماكنَ مختلفةٍ من العالم، الأمر الذي لا بدَّ من أن ينعكس بشكلٍ إيجابيٍّ على الأزمة الإنسانيّة المتفاقمة في اليمن وعلى غيرها من أزمات الإقليم بكلّ تأكيد. تقصير الجامعة العربيّة وإذا كان ما تقدَّم ذكره يجسِّد في الحقيقة بعض النقاط المضيئة التي انبثقت عن منتدى فالداي خلال اليومين الماضيين، على سبيل المثال وليس الحصر، فإنّ ثمّة نقطةً سوداءَ وحيدةً أغلب الظنّ أنّ الإشارة إليها تندرج في سياق ما يُسمّى عادةً بـ "بقّ البحصة"، وهي النقطة التي لم يكن ليُقدَّر لها أن تظهَر في أروقة المنتدى لو قرَّر الأمين العامّ المساعد لجامعة الدول العربيّة السفير حسام زكي مخاطبة الحاضرين، بمن فيهم مبعوث الرئيس الروسيّ إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، بلغةٍ واقعيّةٍ تُعبِّر عن آمال وطموحات الغالبيّة العظمى من أبناء الشارع العربيّ الذين لا يزالون ينظرون بارتيابٍ متوارَثٍ أبًا عن جدٍّ حيال تداعيات السياسة الأميركيّة في المنطقة، بما فيها الإرهاصات الناجمة عن قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بشأن الاعتراف بمدينة القدس كعاصمةٍ لدولة إسرائيل، عوضًا عن أن يشكِّك في قدرة الجامعة على تشكيلِ حاضنةٍ عربيّةٍ للقضيّة الفلسطينيّة في ظلّ الظروف الراهنة، وكذلك في قدرة "الرباعيّة الدوليّة" على تحقيقِ أيِّ تقدُّمٍ بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، طالما أنّ الولايات المتّحدة لم تقُلْ كلمتها في هذا المجال بعد، الأمر الذي أفقَد مداخلته الحدّ الأدنى من عناصر الوهج الذي يستوجبه الحديث عن قضيّة العرب المركزيّة التي تخفق لها قلوب الملايين.. وهذا أقلّ ما يمكن أن يُقال عن هذه الجامعة التي لم تكن في أيِّ يومٍ من الأيّام اسمًا على مسمّى، اللهمّ إلّا في حالاتٍ نادرةٍ كتلك التي ذكَّر بها الرئيس اليمنيّ الجنوبيّ السابق علي ناصر محمد لدى إشارته إلى ما حصل في قمّة الخرطوم عام 1967.. وحسبي أنّ العرب كانوا وقتذاك أكثر تماسُكًا، حتّى في أوج هزيمتهم، خلافًا لما هو الحال عليه في أزمنة الهزائم المتتالية في الوقت الحاليّ.. وعسى أن تنفعنا هذه الذكرى لكي نقول يومًا بصوتٍ واحدٍ من المحيط إلى الخليج: "شكرًا فالداي".
Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك