Advertisement

Lebanon 24
A-
A+
عدّل هذا الخبر
A+
A-

في مدينة تعرف بثقل موروثها الحضاري وتنوع روافدها الثقافية، فإن رمضانيات طرابلس تدفع إلى السطح بظواهر وطقوس خاصة تصل ماضي البلاد بحاضرها، كما توفر فرصة للوقوف على نموذج شعب يجمع بين التمسك بالشعائر المقدسة، والانفتاح على تيارات الراهن بمختلف تلاوينه.

Advertisement

يحظى شهر رمضان في مدينة طرابلس، بأجواء متميزة لها طعمٌ خاص تميزها عن باقي المناطق، فهي تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه، وتشهد تغيرات كبيرة في السلوك الإنفاقي، الحالة المزاجية، العلاقات الاجتماعية، الجدول الزمني اليومي للصائمين وغيرها التي تعطي لهذا الشهر نكهة خاصة وبصمة مميزة.

ولأن طرابلس هي" مدينة العيش المشترك" فترى المسيحيين يشاركون المسلمين فى استقبال الشهر الكريم ويشعرون بتميزه واختلافه، فلا يوجد بيت طرابلسي، بغض النظر عن إيمانه واعتقاده، يخلو من "صينية الكنافة الشهيرة" أو "صحن القطايف".

أياما قبل حلول الشهر الفضيل، تعلن حالة استنفار قصوى داخل البيوت استعدادا لأجواء الصيام، ويتهافت الناس على الأسواق خاصة الشعبية منها، والتي تعبق بروائح لا تخطئها الأنوف والتي تصنع ملذة الأكلات الطرابلسية الشهيرة التي تتسيد المائدة في شهر الصوم، اضافة الى افتتاح محلات موسمية تعرض الحلويات والعصائر الخاصة برمضان.

ويستعد أهالي المدينة لاستقبال الشهر الكريم بشكل احتفالي عبر تجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل للسهر، كما يستعدون بإعداد الأطعمة من زيت الزيتون، الجوز، اللوز، التمور والعصائر وصولا إلى مختلف أنواع التوابل، بالإضافة إلى الحلويات، التي يكثر الإقبال عليها في رمضان. مع ذلك، يدعو البعض إلى عدم المبالغة، بل الى اعتبار هذا الشهر الفضيل فرصة لضبط النفس وعدم التبذير، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه جميع اللبنانيين دون استثناء.

ومما يلفت الانتباه في السلوك الاقتصادي خلال هذا الشهر، أن الإنفاق الزائد لا يقتصر على طبقة بعينها، ذلك لأن الشرائح الضعيفة والميسورة تبذل وسعها لتجهيز موائد الإفطار والعشاء والسحور، وتكون نتيجة هذا التهافت على شراء المواد الغذائية ندرة بعض هذه المواد وارتفاع الأسعار، واستنزاف مدخرات البيوت المتواضعة من جهة أخرى.

انطلاقًا من اليوم الأول لهذا الشهر تأخذ مائدة الإفطار الطرابلسية صبغة خاصة، ويعتبر" صحن "الفتوش" من أبرز مكوناتها، ورغم جنون الأسعار الذي لحق بالخضار، الا أنه بقي من أهم المأكولات التي تتصدر المائدة في كلّ البيوت وبصفة يومية، اضافة الى " التسقية" أو فتة الحمص، التي لم تستثنى من بطش الغلاء فقد ظلت متواجدة على موائد الطرابلسيين، وبشكل يومي.

ورمضان هذه السنة يمرّ وسط أجواء وأوضاع صعبة جدا على المواطنين من الناحيتين الإقتصادية والمعيشية في ظل ارتفاع هستيري للدولار. ولأن مدينة طرابلس لها تاريخها العريق مع" الحلو الطرابلسي" فلا يمكنك أن نتخيل مائدة الإفطار دون "الكربوج" " القطايف" " حلاوة الجبن" ... لذلك لجأ عدد كبير من بائعي الحلويات الى البيع على البسطات والعربات في الشوارع بأسعار متوسطة ومقبولة، حتى تصل الحلويات الى معظم بيوت أهالي مدينة الفيحاء.

ولأن طرابلس" أم الفقير" لها أهلها وناسها الطيبون، ففي إطار الحملة الرمضانية لهذا العام، قامت الجمعيات، المؤسسات وهيئات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في شهر رمضان المبارك بتطوير مشروعات وتقديم خدمات ومساعدات الى الأسر الأكثر فقرا، اضافة الى تنظيم قوافل تضامنية تقدم هدايا ومبالغ مالية، كما ساهمت عشرات الجمعيات في إعداد موائد الإفطار للعائلات المحتاجة، وتوزيع المعونات الغذائية بهدف التخفيف من صعوبة الأوضاع الاقتصادية المتردية، حيث ذهبت عدة جمعيات وفرق كضيوف على منازل المحتاجين، حاملين معهم الحزم من المعونات لتساهم في أن يعيش أهل المدينة فرحة الصيام وبهجة شهر رمضان المبارك دون التمييز بين أحد. وتساهم فرق وجمعيات معنية في تسليم زكاة وفطرة العيد وتبرعات أهل الخير إلى المحتاجين في المناطق التي تعاني من الفقر والحرمان.

في العادة، يحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى أهل المدينة، حيث تتزين صوامع الجوامع بالأنوار والمصابيح من الداخل والخارج، وتمتلئ بروادها الذين يفترشون الشوارع والأحياء التي تقع بالقرب من الجوامع من أجل الصلاة أو سماع الدروس الدينية، وتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن،

ويتسابق الناس عقب إفطارهم إلى حضور صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات والمسامرات الدينية، وتلاوة القرآن، وحصص لختم الحديث النبوي الشريف، فيما تنظم بعض المعاهد والجمعيات الدينية وعدد من المدارس مسابقات لحفظ القرآن الكريم.

لكن هذه السنة، في ظل استمرار تفشي جائحة كوفيد-19، أتى شهر الرحمة والمغفرة على غير عادته وأجبر المسلمين على آداء الصلاة في منازلهم، ومع ذلك اتشحت الجوامع ببريق إضافي أضفى فيها روح العبادة والمغفرة.

أما عيد الفطر أو "العيد الصغير" فهو حدث جلل وتقليدي لا يمكن الاستغناء عنه، وهو مناسبة ينتظرها الأطفال قبل الكبار، فهي تعني لهم ثيابًا وألعابًا جديدة وهدايا، كما يمثل العيد فرصة للمّ الشمل واجتماع العائلات ومناسبة تدخل البهجة في قلوب الجميع.

لهذه المناسبة نكهة خاصة أيضا اذ تتزين الأحياء بمظاهر العيد وسط التكبيرات والتواشيح الدينية، والتحضيرات تنطلق عادة في النصف الثاني من شهر رمضان وتتكثف خلال الأسبوع الأخير حيث تنطلق رحلة تنظيف المنزل وإعداده كي يكون مناسبًا لاستقبال الضيوف، فضلًا عن الحلويات التي تمثل عنصرًا أساسيًا في الاحتفال بعيد الفطر. ولا زالت الكثير من العائلات تصرّ على إعداد الحلويات في المنازل، معتبرة ذلك من شعائر العيد، وفي حين يتجه آخرون لشرائها من المحلّات المخصصة لذلك.

طرابلس "أم الفقير" هنيئا لك..

 

تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك