تعتبر التبانة من أبرز المناطق التي تأثرت بالمتغيرات المتعددة منذ نشأة لبنان الكبير ، فقد ساهمت كل الاستحقاقات في قلب الأمور فيها رأسا على عقب فتحولت من سوق الذهب وبابه إلى موئل الحرمان الأول في لبنان من غير منازع . 

وحظيت التبانة بنصيب وافر من الأحداث والمؤثرات التي ساهمت في تكوين مجتمع جديد بالكامل فيها فلا يمكنك أن تجد أيا من عائلاتها المسجلة في قوائمها الانتخابية قاطنة فيها فهي رحلت عنها وباعت دورها و متاجرها أو أجرتها. 

وخلال الحرب وبعدها قطن التبانة أهل عكار على الأخص ، إلى جانب تنوع كبير يلتقي منذ زمن على الحرمان وواقع إجتماعي سيء فعلا .

أما ما بقي من أسواقها فسوق القمح الذي اولاه الرئيس نجيب ميقاتي اهتماما كبيرا فكشف عنه غبار السنوات القاسية وأهّل مؤسساته وأعاد إليه الألق والبريق بألوان وشروط الماضي بميزات الحاضر .

ومع كل يوم يمر يزدحم هذا السوق بالناس يتوافدون من كل حدب وصوب لشراء السلع المتوفرة فيه من المواد الغذائية.

ومنذ بدء الشهر الكريم يصبح الدخول إلى السوق شاقا كما هي الحال مع جاره سوق الخضار وما استحدث عند مداخله من بسطات لبيع الخضار والفاكهة ، وذلك بانتظار انتقال السوق إلى موقعه الجديد .

ورمضان والتبانة على المستوى التجاري شريكان إذ يتدفق إليها الآلاف يوميا لتأمين احتياجاتهم  فيزداد عدد بسطات العصير المتعدد الأنواع كما تحضر السلع التي يكثر عليها طلب الصائمين. 

وفي سوق القمح يقع مسجد محمود بك أبرز مساجد التبانة ، وهو من المساجد الأثرية العتيقة الجميلة يؤمه نهارا كل رواد الأسواق المحيطة به، أما مساء فيعيش يوميات خاصة حيث يؤمه يوميا من تعلقوا به ويشدهم إليه بخفر  ، وترتفع فيه أصوات منشدين ومؤذنين يضاهون بأصواتهم كبار المؤذنين والمنشدين في العالم لكنهم يفضلون الف مرة أن يبقى مجال صوتهم المسجد والجوار عبر مكبرات صوت تحمل خلال رمضان، قبل كل آذان ، وقفات خاصة تتردد في الإرجاء .

وفي التبانة عادت السكبة منذ سنوات إذ بلغ الفقر أشده فيتحول رمضان إلى مناسبة يتذكر الناس بعضهم بعضا بالخير فيرسل من يشعر بجاره طبق طعام وهكذا تتعدد المحاولات ، لتسرد سيدات من تلك الأحياء حكايات عن استعادة السكبة لتقول  ، "رمضان كريم وتبادلنا الطعام يخفف عنا جميعا خاصة عمن هو بحاجة فلا يشعر أنه وحده" .

ولا نترك أحياء التبانة فإذا شئنا سردنا يوميات رمضانية بنكهة خاصة ، نكهة الوجع الذي يزداد تأثيرا في عمق الفيحاء في ما كان يعتبر معبر الخير للبنان والعالم العربي .