Advertisement

Lebanon 24
A-
A+
عدّل هذا الخبر
A+
A-

هل تغيرت طرابلس عشية عيد الفطر؟ هل استغنت عن عاداتها وغادرت تقاليدها ونفرت من سلوكها؟

لا يمكن القول أنها فعلت، ولكن المتغيرات ملزمة وإلى ابعد الحدود.

فمن منا يمكن أن "يصطدم" اليوم بفتى يحمل على رأسه "صدر" المعمول تفوح منه رائحة السمن الحموي يسرع الخطى نحو الفرن القديم على الحطب حيث يتحلق حول بيت النار أكثر من عشرين من أقرانه من الحارة ومن الحارات المجاورة ينتظرون بالدور ،واحد ينتظر "صدرا" واحدا وآخر ينتظر أكثر فثلاثة فاربعة فخمسة . ولا يضيق صدر صاحب الفرن وهو نفسه الذي يعمل بجهد يدخل الـ "صواني" بحرص ويخرجهم كذلك ويمنع من أتى بهم من أن يمد يده ليعود بهم إلى المنزل إلا بعد أن يبردوا جيدا كي يحفظ الحلوى من التلف فهي اذا نقلت ساخنة أتلفت "وخلّص صاحب الفرن من لسان أم العبد".

لم يعد ليحصل ذلك، فقد حل فرن الغاز بدل افران أيام زمان وفتحت محال الحلويات المتعددة ابوابها وكان لقدرة الناس المالية على شراء الحلوى بدل تصنيعها أثر في راحة ستات البيوت.

Advertisement

صار العيد معلبا ولم تعد أم العبد وأم محمود وام رياض يتحلقن حول عجينة المعمول ينجزنها معا ، فالشباب في المسجد أو في السوق ، ورجال البيت أيضا يحضر الختمية ، وهن لا يتركن مقصرة أو مخطئة من الجيران إلا وعددن خصالها واقترحن لها الدواء الشافي ، حتى أبو العبد لا ينجو ليلة العيد من تشريح نسوة الحي وأحكامهن . حتى أم العبد وجدته مذنبا،  وتضحك المسكينة في سرها لانه ليس كذلك تماما ، ثم تجمع كامل شجاعتها لتعلن للنسوة انه ليس كما يتحدثن عنه وتضع حدا لهذا القدر من الظلم على "أبو العيال". 

نعم حتى رائحة المعمول انقرضت في بعض الاحياء أو في معظمها فهي لا تنبعث من وراء الأبواب ولا تغرق الحي ، كما يكون الحال مع رائحة اكلة ورق العنب التي لا تزال تنبعث في كل الحواري نتيجة إجماع قل نظيره على طبخها كل عيد .

لم تعد السيدات تجلسن عند الخياطة تنتظرن فساتينهن المفصلة يدويا والمنجزة "بالمنكنة" كانت تلفظ منجنة مع تفخيم الجيم كما لو أنها تلفظ بالمصرية والة الخياطة السنجر تبحر فوق القماش بانسياب تروح وتجيء وهي تنجز عمل أم تحسين الخياطة ، التي تعمل كل الليل حتى تنهي عمل آخر سيدة قصدتها لإنجاز فستان لها أو لابنتها، "وشو معترة" إذا ما انتقد الاهل عيوبا هنا أو هناك فيتلخبط عيد صاحبة الفستان والخياطة معا فتعمد إلى فكه وإعادة جمعه معدلا.

لم يعد يحصل ذلك وربما يعود فعلا إذ أن سبب تراجع الخياطة توفر الألبسة الصينية والسورية والتركية وكلها رخيصة مقارنة مع ما يمكن أن يتطلبه تفصيل قطعة جديدة.

أما ما يحصل عند من تبقى من الخياطات هذه الايام فتعديل فساتين قديمة كانت منسية في الخزانة والوضع المالي هذا العام يلزم باخراج اللباس القديم ووضعه مجددا في الخدمة.

هو الزمن يمكن له ان يضغط مغيرا الحال والأحوال فرمضان، وهو يغادر، كان يخطف قلوب القدامى وبعضهم تمنى لو أنه يستمر قليلا بعد . وهذا الحاج المعروف بتقواه يجلس متكئا ويتمنى لو يبلغ رمضان المقبل بخير.
 
على مدى خمسين عاما تغيرت العادات في طرابلس بفعل تغير الوسائل التي اتيحت للناس من مال وأدوات ومؤسسات. ومن بقيت عائلته على نمط أيام زمان  يحرص على ذلك حبا بما كان وتوددا إلى ذاكرة تضمحل وتخبو.

 

 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك