بعد عدة عقود من
الثروة التكنولوجية التي تسببت في تغييرات هائلة، يبشر ازدهار
الذكاء الاصطناعي بطفرة أخرى. فلم يقتصر ارتفاع تقييم شركة "إنفيديا" على جعل المؤسس المشارك لها جنسن هوانغ رجلاً ثرياً للغاية، وإنما كذلك بلغت ثروة ابنة عمه البعيدة ليزا سو، رئيسة شركة "أدفانسد مايكرو ديفايسيز" (Advanced Micro Devices)، 1.2 مليار دولار. وتُظهر النظرة السريعة على أغنى 10 أشخاص في العالم أن قادة قطاع التكنولوجيا، من
إيلون ماسك إلى بيل غيتس، ما يزالون في القمة.
إحدى الطرق الإيجابية للنظر إلى هذه الطفرة في الثروة تستند إلى أن
رأس المال يتدفق إلى مجال ابتكاري يمكن أن يعود بالفائدة على الجميع في نهاية المطاف. فإذا كان المتفائلون بالذكاء الاصطناعي على حق، وكنا على أعتاب ثورة صناعية جديدة -أو "نقطة تحول"، كما وصفها هوانغ، بعد أن حطمت نتائج "إنفيديا" توقعات السوق -فإن مكاسب الإنتاجية والنمو الاقتصادي ستمتد إلى ما وراء نادي المليارديرات. لقد جلبت لنا النسخة الأصلية من
الثورة الصناعية التي تعود إلى القرن الثامن عشر أمثال المخترع ريتشارد آركرايت، الذي ساعد ابتكاره لآلة غزل القطن التي تعمل بالماء على ولادة العالم الحديث، وفي نفس الوقت جعلت منه شخصاً ثرياً. نحن لا نريد أن نكرر خسارة الوظائف وظروف العمل الرهيبة التي تسبب فيها التصنيع، ولكن هناك طرق لإدارة هذه الاضطرابات.
أما وجهة النظر الأقل إيجابية فترى أن هذا العصر يبدو بشكل متزايد مثل "العصر المذهب" للاحتكارات التي تسيطر على كل شيء، مثل شركة "ستاندرد أويل" التي أسسها جون دي روكفلر، وأن نظراء آركرايت اليوم ليسوا مخترعين هواة في مرآبهم، بل يعملون جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا الكبرى أو داخلها مثل شركة "ألفابت" أو "
مايكروسوفت"، التي تهيمن بالفعل، ولديها حصص سوقية مماثلة لشركتي "جنرال إلكتريك" و"دوبونتس" (DuPonts) منذ قرن مضى. وترتفع ثروات رؤساء شركات التكنولوجيا الهائلة بالتوازي مع ارتفاع الحواجز أمام دخول المنافسين الجدد، سواء تمثلت تلك الحواجز في تكلفة الحصول على نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها أو الرقائق الإلكترونية التي تشغلها (مثل رقائق إنفيديا)، والتي تضاعفت أسعارها منذ عام 2020، كما تشير زميلتي بارمي أولسون.
وكما أظهر القرن العشرون أيضاً، يمكن أن تؤدي القوة السوقية المفرطة إلى التواطؤ والفساد الذي يدفع المنافسين خارج السوق، ويجعل أوضاع العمال متردية، والجهات التنظيمية بلا أنياب -وهو عكس ما نريد أن نراه في القرن الحادي والعشرين. حتى
إذا كنت تعتقد أن قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضاعف معدلات النمو الاقتصادي على غرار ثورة تكنولوجيا المعلومات على مدى عقد من الزمن (وهو ما يعني في بلد مثل
فرنسا إضافة 500 مليار
يورو (540 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2034، وفقاً للاقتصادي فيليب أغيون) فإن الواقع قد يكون أقل إثارة للإعجاب وأشد اضطراباً من الناحية الاجتماعية إذا مُنعت أو أُعيقت الشركات الناشئة عن الوصول إلى السوق من قبل الشركات الكبرى الحالية.(بلومبرغ)