Advertisement

متفرقات

فرضية جديدة في علم الكونيات.. هل نعيش داخل فقاعة كونية؟

Lebanon 24
12-07-2025 | 03:33
A-
A+
Doc-P-1390227-638879131717042761.jpg
Doc-P-1390227-638879131717042761.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
على مدى عقود، ظل ما يُعرف بـ"توتر هابل" أحد أعقد الألغاز التي تؤرق علماء الكونيات في محاولاتهم لفهم سرعة تمدد الكون. هذا التوتر يعود إلى تناقض بين طريقتين رئيسيتين لقياس هذه السرعة. الطريقة الأولى تعتمد على بيانات قديمة جداً من المراحل المبكرة للكون، مثل إشعاع الخلفية الكونية، أما الطريقة الثانية فتعتمد على رصد المجرات القريبة والنجوم المتغيرة في الكون المحلي، أي القريب من مجرتنا درب التبانة.
Advertisement

المذهل أن نتائج الطريقتين تختلف بشكل واضح، رغم دقة القياسات المتكررة، إذ يُقاس تمدد الكون بثابت يُعرف بـ"ثابت هابل-ليميتر"، الذي يحدد مدى سرعة تباعد المجرات عن بعضها. وعند استخدام البيانات القديمة، يُقدّر هذا الثابت بـ244 ألف كيلومتر في الساعة لكل مليون فرسخ فلكي (حوالي 3.2 ملايين سنة ضوئية)، لكن باستخدام الطريقة الثانية، تصل القيمة إلى 264 ألف كيلومتر. هذا الفارق الواضح الذي لم يتمكن العلماء من تفسيره حتى اليوم أثار تساؤلات جوهرية: هل نواجه حدود الفهم البشري لطبيعة الكون؟ أم أننا على أعتاب اكتشافات تقلب مفاهيم الفيزياء الحديثة؟

دراسة جديدة طُرحت خلال اجتماع الجمعية الفلكية الملكية عام 2025 في مدينة دورام البريطانية، قدّمت تفسيراً مختلفاً تماماً. الفرضية تقول إننا نعيش داخل "فقاعة كونية" ضخمة، وهي ما يُفسّر سبب ملاحظتنا لتمدد أسرع للكون في المنطقة المحيطة بنا مقارنة بما تفترضه النماذج الكونية المعتمدة. هذه الفقاعة، بحسب الدراسة، تمتد حوالي مليار سنة ضوئية، وتقل كثافتها بنسبة 20% عن متوسط كثافة الكون. وجودنا داخل هذه الفقاعة يؤدي إلى ما يُشبه تدفق المادة خارجها، ما يعطي إيحاء بأن تمدد الكون في هذه المنطقة أسرع مما هو عليه في الواقع.

الدكتور إندرانيل بانيك من جامعة بورتسموث أوضح في تصريح للجزيرة نت أن أحد التفسيرات المحتملة لتوتر هابل هو أن مجرتنا تقع قرب مركز هذا الفراغ الكوني، الأمر الذي يجعل المادة تُسحب إلى الخارج، ما يؤدي إلى أن تصبح منطقتنا أكثر فراغاً مع الوقت. ومع تزايد هذا الفراغ، تبدو سرعة الأجسام البعيدة عنا أعلى، فيعطي ذلك انطباعاً بأن الكون يتمدد محلياً بسرعة أكبر.

هذا التفسير يتماشى مع ما يعرف بـ"التذبذبات الصوتية الباريونية"، وهي آثار لموجات صوتية انتشرت في الكون المبكر، عندما كان عبارة عن "حساء ساخن" من الجسيمات والضوء، قبل أن يبرد ويطلق إشعاع الخلفية الكونية الذي نرصده اليوم. بعد حوالي 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، توقفت تلك الموجات، لكن آثارها ما زالت محفورة في توزيع المجرات. عند قياس هذه التذبذبات، لاحظ العلماء وجود "انحناء طفيف" في بيانات الكون المحلي، وهو ما يدعم فرضية وجود فقاعة كونية حولنا.

الدراسة التي قادها فريق من الباحثين تشير إلى أن نموذج الفقاعة الكونية أكثر احتمالاً بـ100 مليون مرة مقارنة بالنموذج التقليدي الذي يفترض كوناً متجانساً وموزعاً بالتساوي على نطاق واسع.

المعضلة لا تقف عند حد التمدد، لأن ثابت هابل يلعب دوراً مركزياً في كل علم الكونيات: هو الذي يخبرنا بسرعة تمدد الكون، ويحدد عمره، ويشرح كيفية تطوّر المجرات، ويتيح للعلماء قياس المسافات الكونية، كما يساعد في فهم طبيعة الطاقة المظلمة والمادة المظلمة، وهما مكونان غامضان يشكلان 95% من الكون.

لذا فإن وجود خلل في هذا الثابت يؤدي إلى انقسام في المجتمع العلمي: هناك من يرى أن المشكلة في البيانات أو الأساليب المستخدمة، وهناك من يعتقد أن الخلل قد يكون أعمق، ويتعلق بالنظرية الكونية نفسها، وربما في فهمنا الكامل لطبيعة الزمان والمكان.

البروفيسور بافيل كوروبا من جامعة بون الألمانية، أحد أبرز العلماء الذين يتبنون فرضية الخلل النظري، يرى أن الاختلاف في كثافة المجرات يشير إلى أننا نعيش داخل فقاعة كونية منخفضة الكثافة، وهو ما يدعم نتائج الدراسة الأخيرة. كان قد نشر دراسة مماثلة عام 2023 في دورية "مونثلي نوتيس"، واقترح فيها أن هذا الموقع غير المتجانس في الكون يمكن أن يفسّر الفارق في القياسات.

مع ذلك، تواجه هذه الفرضية تحديات كبيرة، لأنها تتعارض مع مبدأ أساسي في علم الكونيات الحديث، وهو مبدأ "التجانس"، الذي يقوم عليه نموذج "لامدا سي دي إم"، النموذج المعتمد حالياً. هذا النموذج يفترض أن الكون متجانس ومتشابه في كل الاتجاهات عند النظر إليه على مقياس ضخم جداً، لكن إذا ثبت أننا نعيش فعلاً داخل فراغ ضخم، فهذا يعني أن الكون ليس متجانساً، وسيكون على العلماء حينها إعادة النظر في الأسس التي بنيت عليها معظم النظريات الكونية.

هذا يعني أن توتر هابل قد لا يكون مجرد خلل في الحسابات، بل بداية لثورة علمية قد تعيد صياغة فهمنا الكامل للكون.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك