أعلنت شركة OpenAI إحراز تقدم جديد في استخدامات أحدث نماذجها للذكاء الاصطناعي GPT-5 داخل مجالات البحث العلمي، مؤكدةً أن النموذج يسهم في تسريع العمل البحثي في مجالات الرياضيات والأحياء والفيزياء، في وقت تتسابق شركات التكنولوجيا لتطوير أدوات موجّهة للعلماء ضمن سباق جديد لفتح مصادر إيرادات مستقبلية.
وكشفت الشركة في ورقة بحثية حديثة أن GPT-5 ساعد أحد علماء الرياضيات في جامعة كولومبيا على حل معادلة شهيرة وصعبة تُعرف بمسألة “إردوش” في نظرية الأعداد، وهي مشكلة ظلّت دون حل لسنوات طويلة.
ونجح النموذج أيضًا وفقًا للشركة خلال دقائق في تحديد تغيير حاسم داخل الخلايا المناعية البشرية، وهو اكتشاف استغرق من العلماء أشهرًا من البحث، إضافةً إلى اقتراح تجربة مخبرية تمكّن الباحثون من تنفيذها وتأكيد صحتها.
وقال كيفن وايل،
نائب رئيس قسم العلوم في OpenAI، إن وضع هذه الأدوات في أيدي الباحثين حول العالم قد يتيح إنجاز “خمسة وعشرين عامًا من البحث العلمي في غضون خمس سنوات فقط”.
تأتي هذه التطورات مع دخول شركات التكنولوجيا بقوة في القطاع العلمي. ففي الشهر الماضي، أعلنت أنثروبيك إدماج نموذجها “Claude” في أدوات يستخدمها الباحثون وشركات علوم الحياة، في حين كشفت
غوغل عن أداة “العالِم المشارك” التي تساعد في صياغة الفرضيات، وأكدت أن نموذج “Gemma” المفتوح أسهم في اكتشاف مسار جديد محتمل لعلاج السرطان.
وفي خطوة تعزز طموحاتها العلمية، أنشأت OpenAI وحدة جديدة للعلوم في أكتوبر، وعيّنت عالم الفيزياء النظرية أليكس لوبساشكا، المعروف بأبحاثه حول الثقوب السوداء، كباحث رئيسي. كما تخطط الشركة لبناء نظام بحث علمي مؤتمت بالكامل بحلول مارس 2028.
ويؤكد الباحثون المختصون أن “
الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا بالفعل على دفع عجلة الاكتشافات العلمية”، مع تأكيد أن هذه النماذج لم تصل بعدُ إلى مستوى “العالِم الآلي المستقل”، بل تعمل كـ”مساعد بحثي” يمتلك قدرة واسعة على الوصول إلى الأوراق العلمية والأدوات الكمية، بشرط توجيهه من خبير بشري.
وأكدت OpenAI أن GPT-5 يتفوّق بنحو خاص في البحث العميق داخل الأدبيات العلمية، وربط المعارف الموزعة عبر لغات ومجالات متعددة، كما أعاد النموذج اكتشاف نتائج بحثية جديدة لم تكن ضمن بيانات تدريبه، وهو ما عُدّ مثالًا قويًا على قدرته على “استخراج ما غاب عن
العين البشرية”.
وتُظهر الورقة البحثية التي نشرتها OpenAI أن الباحثين اعتمدوا على GPT-5 لإعادة العثور على أبحاث قديمة حول مسألة “إردوش” كانت مدفونة داخل مجلات متخصصة، وهوامش ألمانية، ومراجعات طويلة لم تلفت إليها الدراسات الحديثة، وهو ما يُعد أحد أقوى جوانب النموذج.
وفي الوقت نفسه، شدّدت الورقة أيضًا على أن النموذج ما زال عرضة للهلوسات وصياغة معلومات خطأ، مما يجعل الحاجة قائمة إلى التدقيق
البشري في صياغة المشكلة، وتصحيح الفرضيات والمخرجات.
وحتى مع مساهماته الملموسة، يظل دور نموذج GPT-5 مساعدًا لا قائدًا. ففي كافة الحالات تقريبًا، كان العلماء هم من عرّفوا المشكلة، وحددوا الإستراتيجية، واتخذوا القرارات الأساسية. أما النموذج فقدّم مواد مساعدة مثل مخططات البراهين والتجارب الرقمية وصياغات الفرضيات. ويُجمع الباحثون على أن جوهر الاكتشافات ما زال بشريًا، لكن الذكاء الاصطناعي بات أداة قادرة على فتح مسارات جديدة لم يكن من السهل الوصول إليها سابقًا.