لم يعد
الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية أو موجة عابرة، بل تحوّل إلى قطاع استراتيجي يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، ويتداخل فيه الابتكار مع رأس المال والسياسة والنفوذ الجيو-اقتصادي. ومع عام 2025، دخل هذا التحوّل مرحلة نضج واضحة، حيث انتقل الذكاء الاصطناعي من حقل تجريبي إلى بنية إنتاجية أساسية تقود قرارات الشركات وتعيد رسم نماذج الأعمال.
وفي موازاة ذلك، بدأت تتبلور ملامح "تجارة الذكاء الاصطناعي"، إذ لم يعد الرهان على الخوارزميات وحدها، بل على البنية التحتية والرقائق والطاقة ومراكز البيانات، ما فتح سباقًا غير مسبوق على الاستثمار، وخلق فجوة متزايدة بين من يملك القدرة على تحويل هذه التكنولوجيا إلى أرباح مستدامة، ومن يكتفي بالضجيج التسويقي.
هذا التحوّل انعكس مباشرة على أسواق المال، حيث باتت أسهم الذكاء الاصطناعي تخضع لإعادة تسعير متواصلة، لا على أساس الوعود، بل وفق سؤال جوهري: من يستطيع تحمّل الكلفة العالية وتحويلها إلى عائد طويل الأجل؟ ومع اقتراب 2026، تقف الأسواق عند مفترق حاسم بين توسّع محسوب وفرز قاسٍ بين الشركات.
وفي هذا السياق، نقلت فوكس بزنس عن كبير مسؤولي المعلومات في غولدمان ساكس ماركو أرجنتي أن عام 2025 شكّل نقطة تحوّل مفصلية، مشيرًا إلى أنّ 2026 سيشهد توسعًا أعمق للذكاء الاصطناعي، وتحوله إلى ما يشبه «أنظمة تشغيل» قادرة على تنفيذ مهام معقّدة، إلى جانب تصاعد المنافسة بين
الولايات المتحدة والصين، وازدياد الضغوط المرتبطة بالطاقة وكلفة التشغيل.
من جهته، رأى خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في جامعة سان خوسيه الحكومية أحمد بانافع، في حديث إلى اقتصاد
سكاي نيوز عربية، أنّ العالم يدخل 2026 بوعي مختلف، بعدما أصبح الذكاء الاصطناعي بنية تحتية أساسية للاقتصاد الرقمي. ولفت إلى انتقال التركيز من حجم النماذج إلى قيمتها العملية وكفاءتها، مع توجه متزايد نحو نماذج أصغر وأكثر تخصصًا، وضغوط اقتصادية ستفرض إعادة تقييم العائد على الاستثمار.
أما أستاذ علوم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون حسين
العمري، فاعتبر أنّ 2025 كان عامًا انتقاليًا من الضجيج إلى الاستخدام المنهجي، فيما سيكون 2026 عام الفرز الحقيقي: بين من يملك العتاد والبنية التحتية والطاقة، ومن لا يملكها. وأشار إلى تطور "الوكلاء الأذكياء" من مساعدين إلى فاعلين رقميين شبه مستقلين، مع بقاء التحدي الأكبر في التنظيم والمساءلة.
الخلاصة أنّ 2026 لن يكون عام الانبهار بالتكنولوجيا، بل عام الأسئلة الصعبة حول الربحية، والأمان، وحسن الاستخدام. فالتحدي لم يعد في بناء "أذكى آلة"، بل في تحقيق "أذكى استخدام" للذكاء الاصطناعي على المدى
الطويل.