كانت كل الطرق تؤدي إلى "كأس البطولة"، كل الهتافات، كل القلوب التي خفقت في مدرجات الرباط، كل الخطط التي رُسمت بعناية في عقل المدرب الإسباني خورخي فيلدا، وكل الدموع التي أُخفيت خلف نظرات التركيز في أعين اللاعبات... لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. الحلم
المغربي في التتويج بلقب كأس أمم
أفريقيا للسيدات تبخّر مرّة أخرى، وهذه المرّة بطريقة أكثر قسوة ودرامية.
بداية نارية... ونهاية غير متوقعة
على الملعب الأولمبي في الرباط، دخلت "سيدات الأطلس" النهائي بحماس لا يوصف، مدعومات بجمهور غفير وحلم تاريخي طال انتظاره. وسرعان ما تحوّل هذا الحماس إلى واقع ملموس بهدفين مبكرين، الأول من القائدة غزلان شباك في الدقيقة 13، والثاني من سناء المسعودي بعد 11 دقيقة فقط.
بدا وكأن الكأس قد بدأت تلمع بلونها المغربي، وأن نيجيريا صاحبة الخبرة الطويلة في هذه البطولة ستخرج خالية الوفاض. لكن الشوط الثاني حمل معه رياحًا لا تُرحم، حين قلبت نساء نيجيريا الطاولة بثلاثة أهداف متتالية، عبر أوكورونكو من ركلة جزاء، ثم فولاشادي، وأخيرًا هدف قاتل في الدقيقة 88 من إيشيجيني، ليُسدل الستار على واحدة من أكثر النهائيات جنونًا في تاريخ البطولة.
ورغم مرارة الخسارة، خرج المدرب الإسباني خورخي فيلدا من المباراة رافعًا الرأس، وأكد في تصريحاته عقب اللقاء فخره الكبير بأداء لاعباته. وقال: "خضنا النهائي للمرّة الثانية على التوالي أمام خصم يملك خبرة هائلة، لكننا أظهرنا شخصية وروحًا لا تقل قوّة. اللاعبات لعبن من دون خوف أو عقدة نقص، وكان حضورهن الذهني والفني مميزًا".
وأضاف: "صحيح أننا خسرنا اللقب، لكننا ربحنا فريقًا يملك مستقبلاً مشرقًا. البطولة كشفت عن أسماء شابة أبهرت الجميع، ونحن ما زلنا في بداية الطريق.
المغرب يملك كل المقومات ليصعد إلى القمة قريبًا".
المغرب... من مشاركة إلى منافس
في أقلّ من عامين، تحوّل منتخب المغرب للسيدات من مجرّد مشارك طموح إلى منافس حقيقي على البطولات القارية. بلوغ النهائي للمرّة الثانية على التوالي، والتفوّق على منتخبات قويّة في الطريق، يكشف عن مشروع حقيقي بدأ يؤتي ثماره، بدعم من الاتحاد الملكي المغربي
لكرة القدم، ومنظومة عمل احترافية واضحة المعالم.
ورغم الخسارة المريرة، أثبتت اللاعبات المغربيات أنهن جزء من النخبة في
كرة القدم الأفريقية، وأن كرة القدم النسائية في المغرب لم تعد ترفًا أو تجربة مؤقتة، بل مسار ثابت نحو المجد.
أما منتخب نيجيريا، عزز هيمنته المطلقة على البطولة، وأضاف لقبه العاشر، ليبتعد بفارق شاسع عن أقرب ملاحقيه. ولم يخسر الفريق أي نهائي من أصل 10 خاضها، مما يجعله القوّة التقليدية والتاريخية بلا منازع في القارة.
الحلم لا يموت
ربما لم يُكتب للمنتخب المغربي أن يرفع الكأس هذا العام، وربما كانت قسوة الخسارة أكبر من أن تُحتمل، لكن ما قدمته اللبؤات في هذه البطولة سيظل مصدر فخر، وسيُروى للأجيال المقبلة جميعها. فالمجد لا يُمنح بسهولة، بل يُنتزع بالصبر والتضحيات. واليوم، رغم الدموع، خرجت لاعبات المغرب مرفوعات الرأس، لأنهن لم يخسرن الروح، بل ربحن احترام قارة كاملة.
والحلم... وإن تأجل، لا يموت أبدًا.