لم يكن المغرب وهو يستعد لاحتضان كأس الأمم الأفريقية 2025 يدرك أن أول اختبار حقيقي سيواجه البطولة لن يكون داخل المستطيل الأخضر، بل في مدرجات الملاعب. فبينما كانت الأنظار تتجه إلى المنتخبات الكبرى وترشيحات التتويج، برزت قضية مفاجئة: ضعف الحضور الجماهيري في عدد من المباريات، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول صورة البطولة وحجم الإقبال عليها.
لكن، وكما اعتادت
كرة القدم أن تفاجئ الجميع، جاءت الاستجابة هذه المرة مبتكرة. فاللجنة المحلية المنظمة في المغرب واتحاد
الكرة الأفريقي (كاف) اتفقا على خطوة غير مسبوقة أتت عبر فتح أبواب الملاعب مجانًا بعد مرور 20 دقيقة من بداية بعض المباريات، لمن لا يملكون تذاكر مسبقة. والهدف كان واضحًا إحياء المدرجات، وتحويل البطولة إلى احتفالية جماهيرية حقيقية.
وسرعان ما ظهرت ملامح الخطة على أرض الواقع. فمباراة الكاميرون أمام الغابون في ملعب أدرار بأغادير، التي بدأت بمدرجات شبه خالية، تحولت تدريجيًا إلى مسرح يعج بعشرات الآلاف من المشجعين. والمشهد ذاته تكرر في مواجهة مصر وزيمبابوي، حيث بدا النشيد الوطني على وقع حضور متواضع، قبل أن تمتلئ المدرجات بما يقارب 28 ألف متفرج بعد فتح الأبواب. وبات الشعار الأكثر تداولا على مواقع التواصل الإجتماعي: "كأس
أفريقيا للشعب" شعار يعكس رغبة حقيقية في إعادة الجماهير إلى روح اللعبة.
غير أن الجدل الجماهيري لم يكن وحده العنوان. فقد ذكرنا سابقًا عن الإعلان التاريخي لرئيس الاتحاد الأفريقي باتريس موتسيبي والذي تمثل بتحويل كأس أفريقيا إلى بطولة تُقام كل أربع سنوات بدلا من عامين، بعد نسخة 2028. هذا التحول أثار ولا يزال يثير عاصفة من ردود الفعل المتباينة، فهناك من رأى فيه استجابة لضغوط الأندية الأوروبية التي تشتكي من فقدان لاعبيها، فيما اعتبره آخرون خطوة قد تُفقد القارة فرصة تطوير منتخباتها عبر الاحتكاك المنتظم. مدربون انقسموا بين مؤيد ومعترض، ومسؤولون داخل "كاف" رأوا أن القرار جاء مفاجئًا ومعقدًا على مستوى الروزنامة. لكن بين هذا وذاك، ظل السؤال الأكبر معلقًا: هل ستربح أفريقيا من هذا التغيير أم ستدفع ثمنه لاحقًا؟
وفي خضم هذا الزخم، توقفت المباريات أمس الخميس ليوم واحد فقط في البطولة تزامنًا مع احتفالات
عيد الميلاد المجيد، في محطة لالتقاط الأنفاس قبل أسبوع حافل سيشهد صراعًا محتدمًا في دور المجموعات. فالمنتخب
المغربي الذي افتتح مشواره بفوز مطمئن، يدخل المرحلة الثانية تحت ضغط التاريخ وتطلعات الجمهور، فيما تواصل منتخبات مصر والجزائر وتونس والسنغال تقديم مستويات قوية، تجعل من البطولة ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.
ورغم أن المغرب لم يرفع الكأس سوى مرة واحدة قبل نحو نصف قرن، فإن استضافة البطولة على أرضه تمنح "أسود الأطلس" فرصة ذهبية لكتابة فصل جديد.
وهكذا لا تبدو كأس الأمم الأفريقية 2025 مجرد نسخة عابرة؛ فهي بطولة تختبر قدرة القارة على التكيّف، وعلى حماية هويتها الكروية وسط ضغوط
أوروبا والروزنامات المكتظة. وهي أيضًا فرصة للمغرب ليبرهن أن كرة القدم ليست فقط لعبة تُلعَب، بل حدث يُعاش ويُحتفل به. وما بين مدرجات تمتلئ بعد الدقيقة العشرين، وقرارات تنظيمية تغيّر ملامح البطولة لعقود، يبقى المؤكد أن "الكان" 2025 تكتب قصتها الخاصة قصة تجمع الشغف، السياسة، الجمهور، والحلم الأفريقي.