في خطوة غير مسبوقة على مستوى القانون الدولي البيئي، أصدرت
محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا تاريخيًا يفتح المجال أمام الدول المتضررة من تغيّر المناخ لمقاضاة الدول المسؤولة عن الانبعاثات الكربونية، والمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة هذه الانبعاثات.
وأكد خبراء القانون والبيئة أن هذا القرار، رغم كونه غير ملزم قانونيًا بشكل مباشر، يحمل ثقلًا قانونيًا وسياسيًا كبيرًا، ويُعد تطورًا مفصليًا في مسار العدالة المناخية. إذ يتيح للدول المتأثرة بالمناخ المتدهور أن ترفع دعاوى قضائية ضد الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن الجزء الأكبر من التلوث المناخي.
وأوضح الدكتور
بدوي رهبان، خبير تغيّر المناخ ومدير الحد من
الكوارث السابق في
اليونسكو، أن هذا القرار لا يفرض دفع تعويضات فورًا، لكنه "يمهّد الأرضية القانونية ويضع إطارًا واضحًا للمساءلة المستقبلية". وأضاف أن "الدول الصناعية لن تستطيع بعد اليوم تجاهل هذا الرأي، خاصة أنه يقر بشكل غير مباشر بأن انتهاك الالتزامات المناخية يُعتبر فعلًا غير مشروع دوليًا".
من جانبه، وصف الدكتور وفيق نصير، عضو
البرلمان العالمي للمناخ، القرار بأنه تحول قانوني وسياسي كبير، مشيرًا إلى أن الدول المتضررة باتت تمتلك الآن أداة ضغط قانونية وأخلاقية قوية لفرض التزامات أكثر صرامة على الدول الصناعية. وقال: “رغم أن القرار استشاري، فإنه قد يقود إلى مفاوضات تُفضي إلى مشروعات تنموية أو بيئية تموّلها الدول المتسببة بالانبعاثات”.
أما الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي، فرأى أن القرار يُرسّخ فقه
القضاء الدولي في مجال المناخ، ويؤسس لمرحلة جديدة من العدالة البيئية. وأشار إلى أن المحكمة اعتبرت الحفاظ على البيئة والمناخ حقًا من حقوق الإنسان، ما يفتح الباب أمام دول العالم لتقديم دعاوى مستقبلية تستند إلى هذا الرأي، خصوصًا إذا تمكنت من إثبات العلاقة السببية بين الأضرار والانبعاثات.
ويُتوقّع أن يُجبر هذا التطور الدول الصناعية الكبرى على إعادة النظر في مشاريعها وصناعاتها، واتخاذ إجراءات احترازية للحد من الانبعاثات، والاعتماد بشكل أوسع على مصادر
الطاقة النظيفة والمتجددة.
رغم أن القرار لا يُلزم الدول بشكل فوري بدفع تعويضات، إلا أن أثره سيكون كبيرًا على مستوى السياسات والمفاوضات الدولية في السنوات المقبلة، ويُمثّل انتصارًا للبلدان النامية التي تتحمّل تبعات تغيّر المناخ رغم مساهمتها المحدودة في أسبابه.