في مشهد إنساني نادر، فوجئ محمد عبدالعال، معلّم الفيزياء والكيمياء المتقاعد من محافظة سوهاج
المصرية، بزيارة غير متوقعة من عدد من طلابه القدامى القادمين من اليمن، بعد أكثر من خمسين عامًا على لقائهم الأخير.
الزيارة أعادت عقارب الزمن إلى سنوات الدراسة الأولى، وكشفت عن أثرٍ عميق تركه المعلّم في نفوس تلاميذه، رغم تعاقب السنين وتباعد الجغرافيا، منذ مغادرته ميدان التعليم في جنوب
الجزيرة العربية أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وفي تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد"، استعاد عبدالعال بدايات مسيرته المهنية، موضحًا أنه التحق بالتعليم خارج مصر في شبابه، بعدما أعلنت وسائل إعلام كويتية عن مسابقة للتعاقد مع معلمين مصريين ضمن بعثة تعليمية رسمية. وكان حينها حديث التخرّج من كلية العلوم، فتقدّم للمسابقة التي شارك فيها آلاف المتقدمين.
وبعد اجتيازه الاختبارات، حصل على عقد عمل وتذكرة سفر، لكنه فوجئ بتوجيهه إلى مدينة عدن بدل
الكويت، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى محافظة شبوة
اليمنية، حيث أمضى سنوات طويلة في التدريس، لا سيما في مدرسة الشهيد قحطان.
غادر عبدالعال اليمن عام 1989، حاملًا ذكريات طيبة عن طلابه، من دون أن يتخيّل أن تلك الذكريات ستعود يومًا لتطرق بابه من جديد.
اللحظة الفارقة جاءت عبر اتصال هاتفي من تلاميذه القدامى، الذين نجحوا بعد محاولات طويلة في الوصول إليه، بمساعدة عامل
سعودي قادهم إلى أحد زملائهم الذي كان لا يزال على تواصل مع أحد أفراد البعثة التعليمية القديمة.
ويقول عبدالعال: "فوجئت بأنهم لم ينسوني، وأصرّوا على زيارتي مهما كانت المسافات بعيدة".
اللقاء، بحسب عبدالعال، كان بالغ التأثير، خصوصًا بعدما تبيّن له أن طلابه السابقين باتوا شخصيات فاعلة في مجتمعاتهم؛ أحدهم يشغل منصب قاضٍ، وآخر رجل أعمال يعمل في
الصين، وثالث يتولى موقعًا قياديًا في إحدى المحافظات اليمنية.
وأشار إلى أنه لم يتعرّف إليهم في البداية بسبب تغيّر الملامح بعد عقود من الفراق، قبل أن تستعيد الذاكرة تفاصيلها مع أول حديث.
وختم عبدالعال حديثه بنبرة امتزج فيها الفخر بالتأثّر، قائلًا "شعرت أنني قدّمت شيئًا حقيقيًا للوطن العربي، وأن رسالة التعليم لا تضيع مهما طال الزمن. لا وفاء أعظم من أن يتذكرك طلابك بعد كل هذه السنوات ويعترفون بفضلك… فهذا هو أعظم إنجاز لأي معلّم".