اختتم قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الفرع الثالث في طرابلس، أعمال مؤتمر العلاقات العربية العثمانية، الذي رعاه رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، بإصدار سلسلة من التوصيات الختامية الهادفة إلى تعزيز البحث الأكاديمي المشترك في التاريخ العربي – العثماني.
وكان المؤتمر قد افتتح بجلسة رسمية حضرتها شخصيات أكاديمية ودبلوماسية ودينية وعسكرية، تقدمهم سفير الجمهورية التركية في لبنان السيد مراد لوتِم، الدكتور سامي رضا ممثلًا النائب كريم كبارة، النائب السابق مصباح الأحدب، عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية البروفسورة سهى الصمد ممثلة راعي الاحتفال رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران إفرام كرياكوس، الشيخ نادر جمعة ممثلًا مفتي زحلة والبقاع الشيخ علي الغزاوي، الرائد الركن أحمد نعمان ممثلًا قائد منطقة الشمال العسكرية في الجيش العميد الركن باسم الأحمدية، إلى جانب ممثلين عن مدراء كليات الجامعة اللبنانية في الشمال، والجامعات الخاصة، والهيئات الثقافية والفكرية والجمعيات الأهلية، واتحاد بلديات طرابلس وبلديتي طرابلس والميناء، وعدد من بلديات المنطقة والهيئات الاختيارية.
وافتتحت الجلسة بالنشيد الوطني والنشيد الوطني التركي، ونشيد الجامعة اللبنانية، تلاها دقيقة صمت حدادًا على روح الدكتور جورج نصار الذي فقده قسم التاريخ مؤخرًا.
وكانت كلمة قدم فيها الدكتور زياد منصور للمؤتمر، معتبراً هذا المؤتمر "علامة مضيئة في مسيرة التعاون الأكاديمي بين العالمين العربي والتركي، إذ يعيد قراءة التاريخ العثماني العربي بروح علمية منفتحة، لتصحيح المفاهيم، وإبراز عمق العلاقات المشتركة التي صاغتها قرون من التفاعل الثقافي والحضاري".
وقال: "إن هذا المؤتمر لا يسعى إلى استعادة الماضي من أجل الحنين إليه فحسب، بل إلى قراءته بعين الباحث الحر والمؤرخ المنصف، بعيدا عن الانفعالات السياسية أو الأحكام المسبقة، ليكون التاريخ وسيلة للفهم لا للحكم، وجسرا للحوار لا لحواجز الخلاف".
ثم ألقى أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة مرمرة بإسطنبول ورئيس قسم البحوث والإصدارات في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) الدكتور جنكيز تومار كلمةً تناول فيها أهمية المؤتمر وطرح أفكارًا حول تطوير العلاقات الأكاديمية بين الجامعات العربية والتركية ومراكز الأبحاث.
وتلا ذلك كلمة المشاركين العرب التي ألقاها رئيس المنظمة التركية العربية للتعاون الاقتصادي والاستراتيجي (تاسكا) الدكتور محمد العادل، ، حيث دعا إلى تأطير التعاون الثقافي والاقتصادي والاستراتيجي بين الدول العربية وتركيا، مؤكدًا على أهمية تضافر الجهود في مجالات الثقافة والتعليم والاقتصاد، وتعزيز حراك العلاقات الثنائية على مستوى المؤسسات.
وفي كلمته، أكد رئيس المؤتمر البروفسور أحمد رباح على أهمية إعادة قراءة التاريخ المشترك بين العرب والعثمانيين، بعيدًا عن الأحكام المسبقة، وبمنهجية علمية موضوعية.
واعتبر أن المؤتمر يشكّل منصة علمية للحوار الأكاديمي تسعى إلى فهم ديناميات التفاعل السياسي والثقافي بين الطرفين. وختم رباح كلمته بالتأكيد على أن المؤتمر يسهم في بناء رؤية تاريخية متوازنة تُعزز التواصل الحضاري العربي – التركي في الحاضر والمستقبل.
السفير التركي
أما سفير الجمهورية التركية في لبنان السيد مراد لوتِم، فقد تناول في كلمته الأبعاد التاريخية العميقة للعلاقات بين اللبنانيين والأتراك، مشيرًا إلى أن هذه الروابط "تمتد إلى العهد العثماني حين كان لبنان جزءًا فاعلًا من المشهد الثقافي والإداري للإمبراطورية العثمانية". وأوضح أن "تلك المرحلة، رغم تعقيداتها السياسية، خلّفت إرثًا حضاريًا مشتركًا لا يزال حاضرًا في العمارة والتعليم والإدارة والتقاليد الاجتماعية".
وأكد السفير لوتِم أن "تركيا تنظر إلى لبنان بوصفه جسرًا ثقافيًا وإنسانيًا يربط الشرق بالغرب، وأن العلاقات بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة". كما استعرض الدور التركي الحديث في دعم القطاعات التربوية والصحية والإنمائية في لبنان من خلال وكالة التعاون والتنسيق التركية (TİKA)، التي نفذت مشاريع تنموية في مختلف المناطق اللبنانية.
وأضاف أن تركيا تسعى إلى تعزيز الحوار الأكاديمي والثقافي عبر المنح الجامعية وبرامج التبادل العلمي التي تهدف إلى التقريب بين الشباب اللبناني والتركي، مشددًا على التعاون الاقتصادي المتنامي بين بيروت وأنقرة، خصوصًا في مجالات التجارة والسياحة والاستثمار المشترك.
ولفت السفير التركي إلى أن "العلاقات بين الشعبين تتجاوز الأطر الرسمية لتشمل روابط إنسانية وعائلية وثقافية متجذّرة"، مؤكدًا أن "تركيا ستواصل العمل على ترسيخ الشراكة التاريخية مع لبنان ودعم استقراره وازدهاره، وفاءً للعلاقات التي جمعت الشعبين منذ العهد العثماني حتى الحاضر".
الصمد
وألقت كلمة راعي الاحتفال عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية البروفسورة سهى الصمد ممثلة رئيس الجامعة اللبنانية، ورحبت بالمشاركين في المؤتمر، مؤكدة على أهمية هذا الحدث الأكاديمي في تعميق فهم التاريخ المشترك بين الشعوب العربية والتركية.
وأشارت إلى أن "الجامعة تولي اهتمامًا خاصًا بالبحث العلمي في مجالات التاريخ والحضارة والهوية الثقافية، لما تمثله من ركائز أساسية في بناء الوعي الوطني والتفاعل الإنساني البنّاء".
وأشارت البروفسورة الصمد إلى أن المؤتمر يشكّل منصة فكرية للحوار العلمي الموضوعي بعيدًا عن الأحكام المسبقة، ويساهم في إعادة قراءة المرحلة العثمانية قراءة نقدية علمية قائمة على الوثائق والمصادر الأكاديمية الموثوقة".
وعبّرت الصمد عن تقديرها للتعاون القائم بين الجامعة والبعثة الدبلوماسية التركية والمؤسسات البحثية المشاركة، مشددةً على أن هذه المبادرات تعزز التواصل الثقافي والحضاري بين العالمين العربي والتركي.
واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن "الجامعة اللبنانية ستبقى منبرًا علميًا مفتوحًا للحوار والتفاعل الفكري"، داعية الباحثين إلى مواصلة العمل الأكاديمي المشترك بما يخدم الحقيقة التاريخية ويقوّي جسور الصداقة بين الشعوب.
يذكر أن عدد المشاركين قد بلغ أربعين منتدياً وباحثاً ومؤرخاً من تركيا ومصر، والجزائر والأردن، وتونس، والعراق ولبنان، تناولوا مختلف جوانب العلاقات العربية العثمانية، حيث شكل هذا المؤتمر مساهمة في إعادة قراءة التاريخ المشترك العثماني-العربي، وتاريخ البلدان المشاركة.
الجندي
وألقى كلمة الاختتام منسّق المؤتمر البرفسور خالد الجندي كلمة تناول فيها أهمية هذا المؤتمر الذي يُعقد للمرة الأولى في لبنان، مشيراً إلى أنه يشكّل محطة أكاديمية فريدة تفتح آفاقاً جديدة لدراسة العلاقات العربية – العثمانية من منظور علمي موضوعي. وأكد الجندي أن "انعقاد المؤتمر في طرابلس، المدينة ذات الإرث العثماني العريق، يضفي عليه بعداً تاريخياً وثقافياً خاصاً".
كما نوّه بالدور الرائد الذي قامت به كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تنظيم هذا الحدث العلمي، وبالتعاون البنّاء بين الجامعة اللبنانية والجامعات التركية والعربية المشاركة. وشدّد على أن هذا اللقاء يرسّخ مكانة الجامعة اللبنانية كمركز وطني للحوار الأكاديمي والثقافي، ويساهم في تعزيز الجسور المعرفية بين الباحثين العرب والأتراك بما يخدم فهم التاريخ المشترك واستشراف آفاق التعاون المستقبلي. كما تحدّث عن أهمية الوثائق العثمانية كمصدر أساسي في كتابة التاريخ العثماني والعلاقات العربية – العثمانية، موجهاً الشكر إلى المنظمات التركية الداعمة التي أسهمت في إنجاح المؤتمر ودعم الأبحاث التاريخية ذات الصلة.
يذكر أن المؤتمر تناول العديد من المحاور، أهمها، حقيقة مصطلح العثمانية الجديدة، هل هو مشروع سياسي واستراتيجي تركي، إصلاحات الدولة العثمانية وصلتها بالكنائس المختلفة والهويات الدينية والاثنية المختلفة، تصدي السلطان عبد الحميد الثاني للاطلاع الاستعمارية في الولايات العربية 1876-1909، والهوية العثمانية بين التتريك والتعريب، كما تناول المؤتمر محاور أخرى شكلت زوايا مهمة في قراءة العلاقات العربية العثمانية، وأوصى المؤتمرون بالآتي:
1- المساهمة في توحيد المصطلحات في كتابة التاريخ العثماني.
2- تشكيل لجنة متخصصة من الجامعات العربية والجامعات التركية لوضع مناهج جديدة لإعادة قراءة التاريخ العثماني.
3- تشجيع الباحثين والمؤرخين العرب والأتراك القيام بدراسات وأبحاث مشتركة تتناول التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للدولة العثمانية.
4- تشجيع الباحثين والمؤرخين العمل على دراسات الهيكلية الإدارية والمؤسسات الوقفية في الدولة العثمانية.
5- السعي إلى إطلاق منتدى للحوار العربي–التركي يركّز على دراسة الذهنية التاريخية المشتركة التي صاغت العلاقات العربية العثمانية.
6- العمل على وضع آلية لتنظيم الأرشيفات وتدريب متخصصتين في كيفية التعامل مع الأرشيف واستخدام الوثائق ومؤسسات الوثائق والأرشيف في كل من العالم العربية وتركيا.
7- تشجيع الباحثين على دراسة اللغتين العربية والعثمانية.
8- السعي لوضع موسوعة الجغرافيا التاريخية العربية في العهد العثماني
9- العمل على تبادل البعثات العلمية المشتركة بين الجامعات العربية والتركية، ومع المؤسسات البحثية والمكتبات
10- السعي إلى أن يكون هذا المؤتمر نموذجا لانعقاده بطريقة دورية والسعي إلى اصدار دورية الكترونية محكمة تتيح للباحثين نشر أبحاثهم.
11- العمل على تصوير الكتروني لسجلات المحاكم الشرعية، وتشكيل لجنة متخصصين بالإحصاء لدراسة التاريخ العثماني الكمي.