أقام صالون ناريمان الجمل غانم الثقافي بطرابلس ندوته الشهرية بعنوان "الإسلام والميلاد" تحدث فيها كل من مفتي طرابلس والشمال الدكتور الشيخ مالك الشعار وأمين عام اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي - الإسلامي الاباتي الدكتور أنطوان ضو. حضر الندوة النائب الدكتورة ديما الجمالي، النائب الدكتور علي درويش، رفلي دياب ممثلا النائب السابق سليمان فرنجية، الشيخ محمد حيدر والشيخ علي عبد الكريم رمضان عن الطائفة العلوية، رئيس مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية الدكتور سابا قيصر زريق، منسق لقاء الأحد الثقافي العميد الدكتور أحمد العلمي، وحشد من ممثلي الهيئات والفاعليات.
الجمل
وفي بداية اللقاء، ألقت ناريمان الجمل غانم كلمة نوهت في مستهلها "بأهمية التعاليم السماوية للتعارف وللتآخي والإحترام المتبادل وإعمار الأرض ونشر تعاليم رب العالمين من محبة وعدل ورحمة". وقالت: "هذا ما يحتاجه الشرق والعالم الذي لن ينعم بالإستقرار إلا بالتآخي والحوار الإسلامي المسيحي والعيش المشترك وتطبيق القيم الإيمانية الأخلاقية الإسلامية والمسيحية".
ضو
وتحدث الأباتي ضو مشيدا بأهمية المراكز والمواقع الثقافية في طرابلس، وقال: "نحن نؤمن أن الله هو إله الكل وما علينا إلا ان نحب هذا الكل، وهذا الكلام قلته أمام أكبر المؤسسات والجماعات الإسلامية في العالم وفي المحافل الدولية ودعوت إلى لقاء المسلمين وتنظيماتهم بعقول متفتحة وأخلاق حسنة ونوايا صالحة داعين إلى ضرورة فهم صحيح للإسلام ولرسالته التي تدعو إلى الإيمان بالله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والى الإبتعاد عن المحرمات وإلتزام محاسن الأخلاق والتسامح وترك الرذائل".
وتابع: إذا كان الإسلام السياسي الجديد يصر على إستخدام الإسلام في تسمياته للحركات والأحزاب والدول فهذا ليس مشكلة بالنسبة إلينا، لأن الإسلام واسع جدا ويحترم حق الإختلاف، إنما المهم هو المضمون وإحترام قيم الإسلام التي يسعى إلى إقامتها على الأرض وأن تكون الدولة دولة للجميع وبمشاركة الجميع".
وقال: "الحوار في الشرق هو حوار سياسي ديني غير منفصل وذو أهمية قصوة عند المسلمين لأنه يمنع إحتكار الدين والمعرفة وإتهام الآخر بالكفر والضلال عن الدين والإساءة إليه وصولا إلى الصراع والإضطهاد. إن عدم حصول هذا الحوار أدى إلى رفع شعار التكفير والإرهاب وصولا إلى القول بالعقل التكفيري الذي أدى إلى إنسداد باب الحوار وخلق الفوضى التي أنتجت الصراع الدموي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا".
وختم ضو: "نحن في زمن العولمة نريده أفضل كثيرا من الماضي. يغلب فيه الحوار وليس الصراع أو النزاعات الدامية والكراهية ويسعى إلى أفاق جديدة. علينا بناء عالم إلهي وإنساني لا إنفصام فيه بل إنفتاح وحرية وتفاعل وتكامل وشراكة ووحدة في التنوع، واللحظة التاريخية تتطلب منا الإنفتاح على الإسلام والمسلمين من إسلام الإعتدال والوسطية والتسامح إلى إسلام الحركات الإسلامية وهم مسلمون على تنوعهم للتلاقي والحوار والدعوة إلى التهدئة الشاملة وإشاعة مناخات التقارب المسيحي الإسلامي وفضاءاته والمواطنة والمساواة وبحث القضايا الخلافية بإيجابية بعيدا عن العنف وتقديم الحلول الإيجابية لها لنعود إلى وحدتنا الحقيقية ومودة بعضنا".
الشعار
وتحدث المفتي الشعار فقال: "الثقافة إطار جامع تقرب المسافات وتنصهر في بوتقتها كثير من الخلافات بل إن النماء المطرد بالثقافة والفكر من شأنه أن يوسع المدارك وبالتالي فإن كل واحد منا يجد نفسه وعقله عند الآخر، هذا بحد ذاته كنف يضم ويحتضن هذه العقول النيرة والمستنيرة وفي هذا الكنف تتفاعل الآراء وتتعدد الثقافات وتتنوع في جو من الإخاء والجناس وليس المطلوب أن نتطابق، ليس المطلوب أن يكون أحدنا صورة طبق الأصل عن الآخر، هذا التعدد الذهني والثقافي والفكري يمثل أفقا جديدا لمستقبل أرحم وأرغد".
أضاف: "هذه المنتديات تتلاقح فيها الأفكار وتتوالد وتتنافس وتتلاقى وتتكامل. نحن نعاني كثيرا في عموم بلادنا لهول ما أصابنا، ضيق المساحة التي نتحدث بها، تارة عن الكهربا وتارة عن زحمة السير. ومن هنا ندرك الأفول الفكري، ليست هناك أبعاد يتحدث الناس عنها في مجالسهم، هذه نواة للحركة وللنماء وللتجدد ولإكتناز المعرفة التي بها تحيا الأمم".
ولفت الى أن الموضوع المطروح "قضية أساسية في لبنان خاصة وفي العالم العربي والإسلامي عامة"، وقال: "هذه القضية ينبغي أن نتحدث عما بعدها، لكن لا يكون الحديث عما بعدها إلا إذا إكتمل التأصيل الفقهي الديني الفكري حول هذه القضية ثم نعمم ويشعر كل قارىء أو مستمع أنه يقف على أرض صلبة قوية. آن الأوان أن نتحدث عن الخطوات التي بعدها".
أضاف: "من النقاط الأساسية الهامة التي أحب أن ألفت النظر إليها أن الرسالات السماوية رسالات تكاملية كل رسالة تكمل التي قبلها، وتحمل مساحة جديدة من الأحكام التي تتناسب مع الزمن الذي بعث فيه ذاك الرسول أو النبي. الدين عند الله واحد، ولكن الله عز وجل شاءت إرادته أن يتنزل هذا الدين على مرحلة وفترة من الزمن، كل رسالة كانت تعالج بعضا من القضايا وترسي أصول الدين والإيمان والعقيدة. هذا المعنى حدثنا عنه النبي قال "مثلي ومثل الذين من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فحسنه وجمله إلا موضع لبنة"، فأخذ الناس يطوفون حول هذا البيت ويقولون ما أحسنه وما أجمله لولا موضع هذه اللبنة، فيقول النبي "أنا موضع هذه اللبنة وأنا خاتم الأنبياء". إذا البناء ساهم في بنائه كل من تقدم من الرسل والأنبياء وجاء خاتم الأنبياء والرسل محمد فأتم الله به البناء وإكتمل".
وأردف قائلا: "إذا الفكرة التي طرحتها بدءا أن الرسالات السماوية كل رسالة تتم وتكمل التي قبلها، ولما كان آخر الرسالات مع آخر الأنبياء كان حتما أن تكون الرسالة تامة وكاملة. وهنا إستطرادا أسأل: ما الفرق بين قوله تعالى "اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" كمال الدين أي لا نقص فيه وتمام النعمة أي أنه لا يقبل الزيادة، هذا المعنى هو الذي يعبر عنه علماء الأصول والمناطقة بالتعبير أنه جامع مانع، وإذا كان الدين واحد وكانت الرسالات السماوية متممة لما قبلها ومعترفة بما تقدمها، لماذا ينشأ الخلاف؟".
وتابع: "نبينا يقول "أنا أولى بعيسى بن مريم منكم" لماذا؟ لأن "الأنبياء أخوة" كيف نشأت الأخوة؟ قال صحيح أمهاتهم شتى تعددت أمهاتهم لكن دينهم واحد. هنا أريد أن أتساءل أنا وإياكم، ودينهم واحد، يعني كل رسالة جاء بها نبي هي عينها الذي جاء بها النبي الذي قبله، طبق الأصل؟ طبعا لا، لو كان المراد أن تكون طبق الأصل لما كانت هناك من ضرورة لإرسال عشرات ومئات الأنبياء، المراد بقوله ودينهم واحد، أي ان أصول الدين واحد، الإيمان بالله الواحد، الإيمان بالبعث، الإيمان بالأنبياء، وبوحدة الدين وبالقيم، تكاد تكون القيم واحدة، ولا تكاد تجد تضاربا وتنافرا في إطار القيم على الإطلاق".
أضاف الشعار: "إذا عرف المسلمون وعرف الناس جميعا ان الدين واحد وأن مجموع الرسالات السماوية تشكل هذا الدين وان كل رسالة تتم وتكمل التي قبلها، نكون بذلك قد إنتزعنا فتيل الإنفجار للتقاتل والتصادم، نحن والمسيحيين ونحن واليهود".
وقال: "الأصل في العلاقات الإنسانية بين المسلمين وأهل الكتاب وبين المسلمين والصابئة والمجوس وبوذا وبين المسلمين والدهريين، الأصل في كل ذلك العلاقات بيننا وبين الآخرين تقوم على قاعدتين، يقول رب العالمين "لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" طالما أن شريحة من المجتمع لم تقاتلنا في ديننا ولم تخرجنا من ديارنا ليس هناك نهي عن البر معهم، ويخطىء من يعتقد أن أساس العلاقة بيننا وبين الأخوة المسيحيين هي علاقة توتر وصدام أو علاقة تقاتل وتناحر، أبدا، الأصل في العلاقة بين المسلم وسائر الخلائق أنها تقوم على البر ما لم يقاتلنا أحد في ديننا لأننا مسلمون أو يتجرأ على إخراجنا من أرضنا".
وختم: "نحن امة لا نعرف ان نخاطب الناس بالسوء أبدا والأساس في العلاقة ان يسود العدل بيننا، واعتقد ان الوجود المسيحي في الشرق، ودون اي مجاملة، وفي لبنان تهم فهمنا الإسلامي وممارستنا الدينية كما أمرنا ربنا عز وجل، نحن ليس لدينا مشكلة مع الآخرين، ربنا قال في كتابه الكريم "لكم دينكم ولي ديني"، المطلوب ان نحسن إستعاب الآخر وان نحسن التعامل معه، والقاعدة التي يقوم عليها المجتمع في التعامل بيننا وبين الآخر سواء كان مسيحيا أو يهوديا أو دهريا او مجوسيا هي القاعدة التي ذكرها الفقهاء "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".
وفي نهاية اللقاء، سلمت غانم درعا تقديرية لكل من المفتي الشعار والأباتي ضو.