أظهرت دراسة جديدة أن أشكال التمييز الجنسي اليومية — حتى تلك التي تبدو “طفيفة” أو يجري تجاهلها — يمكن أن تترك أثراً طويل الأمد على صحة النساء النفسية والدماغية، وصولاً إلى تغيّرات في بنية الدماغ نفسها.
وحسب تقرير نشرته الـBBC، فإن خبراء الصحة يؤكدون أن التعرض المتكرر لمظاهر التمييز، من التحرّش اللفظي في الشارع إلى التعليقات المستندة إلى الصور النمطية الجندرية، يؤدي إلى استجابة ضغط نفسي متراكمة تترك “ندوباً” في مناطق مسؤولة عن التحكم بالعواطف والمرونة والتصدي للاضطرابات المرتبطة بالضغط.
وتشير دراسة واسعة شملت أكثر من 7,800 صورة دماغية من 29 دولة إلى أن النساء اللواتي يعشن في دول ترتفع فيها معدلات عدم المساواة بين الجنسين، يُظهرن ترقّقاً في القشرة الدماغية، وهي منطقة ترتبط بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. في المقابل، تراجعت هذه الفوارق في الدول الأكثر مساواة.
وتحذر الباحثة الاجتماعية باتريشا هومان من “التمييز الجنسي البنيوي” المتجذّر في المؤسسات والسياسات، موضحة أن هذا الخلل في توزيع القوة والموارد ينعكس مباشرة على صحة النساء، سواء عبر زيادة التعرض للإساءة والعنف أو عبر الحد من فرص العمل والرفاه الاجتماعي.
كما تكشف تقارير طبية عن فجوة واضحة في التعامل مع الألم لدى النساء، إذ تُظهر دراسات أن
النساء في أقسام الطوارئ أقل حصولاً على المسكنات مقارنة بالرجال، رغم تشابه الأعراض.
وتبرز أبحاث أخرى أن النساء اللواتي يتعرضن للتمييز الجنسي يكنّ أكثر عرضة بمعدل ثلاثة أضعاف للضغوط النفسية وتراجع الرضا عن الحياة
بعد سنوات. كما أظهرت دراسات أن المجتمعات الأكثر مساواة تسجل معدلات أدنى من الاكتئاب بين النساء.
ولا يقتصر أثر التمييز البنيوي على النساء فقط، إذ تكشف دراسات أن الرجال الذين يتبنون أنماط “الذكورية التقليدية” القائمة على السيطرة والسعي الدائم للمكانة، هم أيضاً أكثر عرضة لاضطرابات الصحة النفسية، فيما تزيد مشاعر انعدام القوة لدى بعضهم من احتمالات سلوكيات التحرش عند توليهم موقع نفوذ مؤقت.
ويؤكد الخبراء أن الحلول تحتاج إلى تغييرات شخصية ومؤسسية، من تعزيز التوعية المبكرة لدى الأطفال مروراً بسياسات داعمة مثل الإجازات الوالدية المشتركة، وصولاً إلى تمثيل أكبر للنساء في مواقع القرار، حيث تظهر الدراسات أن النساء القياديات يميلن إلى دعم برامج الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي.
ويخلص التقرير إلى أن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى عالم آمن وعادل للنساء، لكن رفع الوعي وكسر الصمت حول آثار التمييز يشكلان خطوة أساسية نحو التغيير.
.