كتب موقع "الحرة": مستغلة الحرب في أوكرانيا، تسعى الصين لمزاحمة حليفتها روسيا لتكون "القطب الدولي الثاني" في العالم إلى جوار الولايات المتحدة، بحسب خبراء تحدث إليهم موقع الحرة، وكشفوا أسباب التحركات الصينية في عدة مناطق حول العالم مؤخرا.
شراكة "بلا حدود"؟
موسكو وبكين مرتبطتان بـ"شراكة استراتيجية" منذ عام 1996، وهي الأولى التي وقعتها الصين، وفقا لوكالة "فرانس برس".
وفي عام 2001، أعلنت روسيا والصين توقيع معاهدة صداقة، وبموجبها حسم البلدان خلافا معقدا حول حدودهما البالغ طولها 4250 كيلومترا، في عام 2004.
وفي فبراير 2022، وقبل أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، أبرمت الصين وروسيا اتفاق شراكة "بلا حدود"، خلال زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لبكين لحضور افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وأعاد الجانبان التأكيد على قوة علاقاتهما.
والتقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نظيره الروسي شخصيا 39 مرة منذ توليه الرئاسة، وكان آخرها في سبتمبر خلال قمة في آسيا الوسطى.
والتزمت الصين بشكل علني الحيادية إزاء الحرب وامتنعت عن تحميل أي طرف مسؤوليتها، لكنها عارضت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وتعتمد موسكو على بكين في شراء النفط والغاز اللذين لم يعد بإمكانها بيعهما في أوروبا، حسب "رويترز".
ويؤكد الأكاديمي والمحلل السياسي المقيم في برلين، خليل عزيمة، إلى أن الصين اتخذت "موقفا حذرا منذ اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن الصين لم تدعم روسيا في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك رغم الدعاية الروسية حول التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
ويقول إن "المصلحة الوطنية العليا للصين تقتضي بالا تنخرط بكين في الحرب بأوكرانيا، حتى لا تخسر السوق الأوروبية وتتعرض للعقوبات الغربية"
وبانشغال العالم بالحرب في أوكرانيا تجني الصين "ثمارا طال انتظارها"، وتعمل على توسيع نفوذها في العالم ولكن فيما يخدم المصالح الاقتصادية الصينية فقط، حسب حديث عزيمة.
من جانبه يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدراسات الدولية في شنغهاي بالصين، دينغ لونغ، أن "بكين طرف محايد وغير منحاز لموسكو في الأزمة الأوكرانية".
وفي حديثه لموقع "الحرة" يشير إلى أن "الصين تعمل على لعب دور مهم على المسرح الدولي لتأكيد أنها قطب هام ذات وزن وثقل".
وكانت الصين قوة اقتصادية كبرى منذ زمن طويل إلا أنها غير نشيطة في السياسة الدولية بحيث لا يتناسب دورها السياسي بمكانتها الاقتصادية، حسب حديث لونغ.
تنافس في أفريقيا؟
تعزز الصين وروسيا حضورهما في دول إفريقية من خلال استثمارات في بنى تحتية غالبا ما ترتّب مزيدا من الديون على دول القارة التي تدفع ثمن وفرة الموارد الطبيعية على أراضيها، في ظل تحذيرات دولية من تراكم الديون على البلدان الأفقر في العالم، حسب وكالة "فرانس برس".
ويتزامن ذلك مع خفض البلدان الغربية تمويل مشاريع البنى التحتية في القارة، ما خلق فجوة في قطاع استراتيجي بشكل كبير بالنسبة للاتحاد الأفريقي.
وتشمل المشاريع التي تقودها الصين في إفريقيا سكة الحديد القياسية "ستاندرد غوج" (Standard Gauge Railway) الرابطة بين مدينة مومباسا الكينية والوادي المتصدّع الكبير التي كلّفت خمسة مليارات دولار ومولّت بكين 90 في المئة من عمليات إنشائها.
ويعد المشروع الأكبر المرتبط بالبنى التحتية في كينيا منذ الاستقلال وافتُتح سنة 2017، علما بأن الصين ثاني أكبر مقرض لكينيا بعد البنك الدولي.
وفي كانون الأول 2022، وقّعت تنزانيا عقدا بقيمة 2,2 مليار دولار مع شركة صينية لبناء الجزء الأخير من خط لسكك الحديد يهدف لربط الميناء الرئيسي بالدول المجاورة.
على جانب أخر، تتوسع روسيا، مزوّد أفريقيا الرئيسي بالأسلحة، أيضا في القارة عبر مشاريع تعدين تتولاها "فاغنر"، المجموعة العسكرية الخاصة التي باتت طرفا في نزاعات تشهدها دول عديدة بينها أوكرانيا.
وتواجه "فاغنر"، اتهامات بأن لها أنشطة في عدة دول أفريقية بما في ذلك ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، حسب "رويترز".
في كانون الثاني، اتهمت الولايات المتحدة فاغنر بـ"ارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ونهب الموارد الطبيعية" في البلدان الأفريقية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد المجموعة الروسية لارتكابها "انتهاكات لحقوق الإنسان" في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان وأوكرانيا.
الخبير في الشؤون الأفريقي، ناصر مأمون عيسى، يشير إلى أن أفريقيا تشهد تنافسا مزدوجا بين معسكري "الغرب" بقيادة الولايات المتحدة من جانب، وبين "الشرق" بقيادة روسيا والصين من جانب آخر.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد أن روسيا تقود تحركات المعسكر الشرقي "عسكريا" من خلال مجموعة "فاغنر" وخاصة في ليبيا ومنطقة القرن الأفريقي ومنطقتي الساحل والصحراء، بينما تبرز الصين اقتصاديا في عموم القارة.
ويوضح أن موسكو سبقت بكين في "التوغل بأفريقيا"، ويقول إن "الصين تحاول حاليا مزاحمة حليفتها روسيا في معركة على النفوذ والزعامة بالقارة السمراء".
واستغلت الصين انشغال روسيا والعالم بالحرب في أوكرانيا، لتعزيز مكانتها في القارة السمراء من خلال "الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية"، وتهدف بيكين من خلال ذلك لـ"تحقيق زعامة منفردة بأفريقيا"، حسب حديث عيسى.
مزاحمة بالشرق الأوسط؟
يشير لونغ إلى أن "الصين باتت متحمسة في الآونة الأخيرة في دبلوماسية الوساطة"، مستشهدا بجهود بكين للتوسط بين السعودية وإيران للتوصل الى اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين اللدودين.
وفي 10 آذار، أعلنت إيران والسعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر اتفاق بوساطة صينية للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط.
لكن عزيمة يرى في الوساطة الصينية "مؤشرا على محاولة بكين أخذ مكانة موسكو في منطقة الشرق الأوسط".
القطب الدولي الثاني؟
يرى عيسى أن روسيا "تتغافل مرحليا" عن المزاحمة الصينية في أفريقيا، بهدف اكتساب الصين في صفها وعدم فتح "جبهة صراع جديدة" في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويقول إن "روسيا لن تتنازل عن أحلام الإمبراطورية السوفيتية القديمة، وبعد انتهاء الحرب في أوكرانيا ستحاول اختراق مواقع التمركز والنفوذ الصيني في القارة الأفريقية".
وسوف "تستميت" لإنشاء قاعدة عسكرية في أفريقيا على غرار تلك التي افتتحها الصين في جيبوتي عام 2017.
ولدى الصين قاعدة عسكرية واحدة فقط في الخارج (في جيبوتي)، وتقول إنها مخصصة بشكل أساسي لعمليات مكافحة القرصنة في المنطقة، حسب "فرانس برس".
ويتوقع عيسى اتساع دائرة التنافس الصيني الروسي "اقتصاديا وعسكريا" حول العالم عامة وفي أفريقيا خاصة، ويقول "سيكون هناك معركة نفوذ عالمية بين موسكو وبيكين بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".
من جانبه يشير عزيمة إلى أن بكين تحاول أن تكون "الجسر الواصل بين الشرق والغرب"، ويقول إن "الصين تحصل على الطاقة من روسيا بأسعار منخفضة والسوق الأوروبية مفتوحة أمام منتجاتها، ما يعزز قدراتها الاقتصادية".
وبهذا الوضع الحالي يمكن أن تصبح الصين "القطب الدولي الثاني" إلى جانب الولايات المتحدة، حسب حديثه.
فيما يؤكد لونغ "سعي الصين للظهور كقوة عالمية لتعزيز الأمن والسلم الدوليين"، ويقول إن "بكين تنافس واشنطن بطرق دبلوماسية وبأساليب ناعمة بدون اللجوء إلى القوة العسكرية".