من الصدفة أن تقع الذكرى العشرين لهجوم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير غير الشرعي على العراق على بعد أسابيع فقط من الذكرى السنوية لهجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير الشرعي على أوكرانيا، بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
وكتبت" تسبب غزو بوش وبلير للعراق واحتلاله، بالإضافة إلى العواقب الفوضوية التي نتجت عنه، بمقتل أكثر من مليون مدني عراقي، بحسب أحد الاستطلاعات. وارتكبت القوات الأميركية جرائم حرب لا حصر لها، ليس أقلها تعذيب الجنود الأسرى. وفي معتقل أبو غريب القريب من بغداد أهان ضباط أميركيون سجناء عراقيين في انتهاك لاتفاقيات جنيف. وأثار الغزو مقاومة واسعة النطاق، لكن التكتيكات الأميركية لمكافحة التمرد تضمنت غارات على القرى أدت إلى مذابح للمدنيين العزل".
وتابعت الصحيفة، "عارضت دول العالم حرب بوش وبلير، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء ضدهما تقريبًا. كما ولم تقرض أي دولة عقوبات على الولايات المتحدة أو بريطانيا. لم يأخذ أي محقق من المحكمة الجنائية الدولية أدلة لدعم الملاحقات القضائية على جرائم الحرب. وطالب عدد قليل من الأفراد وبعض منظمات حقوق الإنسان بإدانة بلير بتهمة ارتكاب جريمة العدوان، لكن لم تتقدم أي حكومة للأمم المتحدة بقرار لفتح قضية جنائية ضدهما. أما ردة فعل دول العالم فكانت مختلفة للغاية على حرب بوتين غير الشرعية على أوكرانيا".
وأضافت الصحيفة، "عملياً، قامت كل الحكومات الغربية، على غرار الولايات المتحدة، بفرض عقوبات على الصادرات الروسية. وتم تجميد المقتنيات المالية لروسيا في البنوك الأميركية، كما تم الحجز على يخوت وممتلكات أخرى عائدة إلى أصدقاء بوتين. وبعد ذلك بأيام قليلة أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب تشمل ترحيل أطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا. إن التناقض في رد الفعل العالمي على الحربين مفيد. ما من شيء أفضل من ذلك ليوضح الفرق بين سلطة روسيا الدولية الهزيلة وسلطة الولايات المتحدة".
بحسب الصحيفة، "إنه أمر مهين بالنسبة لبوتين. قد يرغب في التفكير في بلاده على أنها قوة عظمى، ولكن في الواقع، بخلاف امتلاك ترسانة نووية ضخمة، فإن روسيا لديها القليل من النفوذ العالمي وعدد قليل من الأصدقاء الأجانب. يُنتقد بوتين على نطاق واسع لمحاولته إعادة إنشاء إمبراطورية قديمة الطراز من خلال الاستيلاء على الأراضي وترهيب الدول الواقعة على الحدود الغربية والجنوبية لروسيا. من جانبها، تدير الولايات المتحدة أسلوبًا جديدًا للإمبراطورية غير الإقليمية بنجاح كبير. تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي هائل في كل قارة، وتهيمن على النظام المالي الدولي، وتدير 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 80 دولة. كما ولا تجرؤ معظم دول العالم على معارضة أوامر واشنطن".
وتابعت الصحيفة، "يجادل بعض المحللين بأنه إذا هُزمت روسيا في حربها الحالية على أوكرانيا، فإن أوروبا ستكون قادرة على التمتع بنظام ما بعد الإمبريالية للعلاقات السلمية والحكم الذاتي في القارة للمرة الأولى في التاريخ. لكنهم نسوا الناتو. فقد بدأت منظمة حلف شمال الأطلسي في عام 1949 وما زالت مستمرة جزئيًا كأداة للهيمنة الأميركية في أوروبا. قد يرفض الحلفاء المشاركة في العمليات العسكرية الأميركية، كما فعلت فرنسا وألمانيا بجرأة بشأن العراق في عام 2003، لكنهم لم ينددوا بها علنًا على أنها غير قانونية أو دعوا إلى فرض عقوبات".
وأضافت الصحيفة، "إن الأوروبيين وبعض الأميركيين، بما في ذلك كبار المسؤولين السابقين والحاليين، الذين جادلوا ضد توسع الناتو بعد زوال الاتحاد السوفيتي - أو حتى دافعوا عن حل التحالف الآن بعد أن اندثر العدو - لن يحققوا أهدافهم أبدًا. كانت دول البلطيق وبولندا تتوق إلى الحماية من قبل الإمبراطورية الأميركية، التي لن يتنازل عنها المجمع الصناعي العسكري الأميركي بأي حال من الأحوال. وبالمثل، كان من المستحيل تحقيق الاقتراح بأن يدعو الناتو الاتحاد الروسي للانضمام، وبالتالي تعزيز المصالحة في فترة ما بعد الحرب الباردة. على الرغم من أن القادة الروس، ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين، كانا حريصين على إنهاء انقسام أوروبا، فإن واشنطن لن تفتح باب التحالف لعضو جديد يمكن أن يضاهي الإمكانات النووية للولايات المتحدة وقد يشكك في أولوياتها السياسية".
ورأت الصحيفة أن "الآن، بعد 30 عامًا من زوال الاتحاد السوفيتي، هناك دلائل على أن العالم الأحادي القطب الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة ربما يقترب من نهايته. فالمنافس الرئيسي ليست روسيا بعهد بوتين، ولكن الصين التي تزداد ثقة. مع إغراق الغرب أوكرانيا بالمعدات العسكرية، فإن فكرة أنها تساعدها فقط في الدفاع عن نفسها تبدو موضع شك للعديد من الدول الآسيوية والأفريقية وأميركا اللاتينية التي تشك في أن الهدف النهائي هو تغيير النظام في الكرملين. يريد الناس رؤية نهاية سريعة للحرب في أوكرانيا، حتى لو كان ذلك يعني تخلي أوكرانيا عن التطلعات المدعومة من الغرب لتحقيق النصر وقبول الخسارة المؤقتة لبعض الأراضي. ليس فقط الصينيين هم الذين يفكرون بهذه الطريقة. إنما هذا هو الحال أيضاً بالنسبة لسكان الهند وتركيا".
وختمت الصحيفة، "يخشى البعض اندلاع حرب باردة جديدة، هذه المرة بين الغرب والصين. بالنظر إلى السنوات العشر المقبلة، يتوقع الآخرون رؤية عالم متعدد الأقطاب حيث لن يتم الضغط على الدول للانضمام إلى جانب أو آخر. في كلتا الحالتين، على الرغم من عودة ظهور القوة الأميركية في أوروبا نتيجة للحرب في أوكرانيا، فإن حقبة تفوق الولايات المتحدة في بقية العالم قد تنتهي قريبًا".