إبان النكبة عام 1948 احتلت العصابات الصهيونية الشق
الغربي من القدس، بما فيه من الأحياء العربية مثل الطالبية والقطمون والبقعة، وهجّرت 30 ألفا من سكانها، إلى جانب احتلال وتهجير كل القرى الغربية بدءا من باب الواد حتى قرى دير ياسين وعين كارم وغيرها.
في المقابل، ظل الشق الشرقي من المدينة، المتمثل بالبلدة القديمة والأحياء الشمالية والشرقية مثل وادي الجوز والشيخ جراح، صامدا وتأخر احتلاله 19 عاما، حتى النكسة عام 1967.
خوف بريطاني
يرى المؤرخ المقدسي بشير بركات أن خشية بريطانيا من غضب المسلمين في مختلف الأقطار إن هي سلّمت المسجد
الأقصى لليهود كان أحد أبرز الأسباب التي أخّرت الاحتلال.
وأوضح بركات للجزيرة نت أن أبرز دليل على هذا الاعتقاد هو رفض الحكومة
البريطانية -التي كانت تحتل فلسطين- إنشاء نصب تذكاري ضخم في موقع تسليم القدس في 9 كانون الأول عام 1917، بحجة أن ذلك سيجرح كرامة المسلمين عامة، ويؤثر على علاقاتها معهم، واكتفت بالنصب المتواضع الذي ما زال قائما حتى الآن.
ويرجّح بركات أن زعماء اليهود أيضا أدركوا أن السيطرة على المسجد الأقصى آنذاك كانت ستثير عليهم العالم الإسلامي، وتستفز شبابه لمهاجمة دولتهم الوليدة، على نحو يؤرقها ويزعزع استقرارها.
أحمد حلمي باشا
أنهى المؤرخ الفلسطيني عادل منّاع مؤخرا تأليف كتاب عن الفلسطيني أحمد حلمي عبد الباقي، والذي كان رئيس حكومة عموم فلسطين بغزة في أكتوبر/تشرين الأول عام 1948، وكان عضوا مهما في الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني.
ويقول مناع للجزيرة نت إن عبد الباقي كان عضو الهيئة الوحيد الذي ظل في فلسطين بعد مذبحة قرية دير ياسين رغم أنه كان يبلغ من العمر آنذاك 66 عاما، وكان له دور مهم في حماية القدس، حيث شارك في قيادة المجاهدين من مقر دار الأيتام الإسلامية في القدس، ووصل تعداد إحدى مجموعاته إلى 530 مجاهدا برئاسة الثائر من أصل أفريقي محمد طارق.
وفي 12 حزيران عام 1948، قرر ملك الأردن عبد الله بن الحسين تعيين أحمد حلمي عبد الباقي حاكما عسكريا للقدس تقديرا لتفانيه، لكنه قرر بعد أشهر ترك القدس والسفر إلى القاهرة، لينضم بعدها إلى حكومة عموم فلسطين في غزة نهاية أيلول، ويتوفى عام 1963 قبل احتلال شرقي القدس ويدفن في المدرسة الخاتونية غربي المسجد الأقصى.
وبينما برزت أسماء مناضلة مثل ياسين البكري، وبهجت أبو غربية، وإبراهيم أبو دية، وفوزي القطب، سطّر آلاف الجنود المجهولين أعظم الانتصارات والتضحيات.
وقد هاجم الاحتلال
الإسرائيلي غير مرة شرقي القدس والبلدة القديمة محاولا احتلالها دون جدوى، بينما خاض المجاهدون معارك عديدة ضد قواته أبرزها معركة الشيخ جراح (قافلة هداسا) في 13 نيسان عام 1948 والتي قُتل فيها 78 محتلا ردا على مذبحة دير ياسين، كما استشهد القائد عبد
القادر الحسيني في معركة القسطل.
اختلال الموازين
كان ميزان القوى بين الطرفين العربي والإسرائيلي مختلا بشكل جليّ إبان النكبة، ويقول المؤرخ مناع إنه وبعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947، كان لدى الاحتلال 35 ألف مقاتل مدرب ومسلح، بينما وصلت أعداد المناضلين إلى العُشر فقط، ما عجّل بسقوط غربي القدس، الذي اكتمل عشية 15 مايو/أيار 1948 بعد انسحاب الاحتلال
البريطاني، ليختل توازن القوى مجددا بعد ذلك التاريخ، ويتضاعف عدد جنود الاحتلال إلى 70 ألفا تحت لواء دولة ذات حكومة ومؤسسات.
وتزامنا مع تعاظم القوة
الإسرائيلية، كان المجاهدون المتطوعون يخوضون حرب الدفاع عن القدس وحيدين بعد تأخر وصول الجيش العربي الأردني بقيادة البريطاني غلوب باشا إلى القدس، ويوضح مناع أن الجيش تأخر في مدينة أريحا 3 أيام بعدما كان من المفترض أن يصل في 15 مايو/أيار.
وبسؤاله عن سبب نجاح احتلال شرقي القدس بعد 19 عاما، إبان النكسة عام 1967؟
أجاب المؤرخ مناع: "هناك فرق كبير بين النكبة والنكسة، فإسرائيل باتت تملك طيرانا قويا حسم المعركة مع مصر خلال ساعات، ومكّنتها تلك الفرصة من إكمال احتلال فلسطين التاريخية وسيناء والجولان خلال 6 أيام، وأمست المعركة معركة دبابات وطيران وليست مجرد بنادق". (الجزيرة)