لم تكن زيارة الرئيس
الإيراني إبراهيم رئيسي إلى روسيا في الأيام الماضية مفاجئة، فزيارة رئيسي ليست الأولى إلى موسكو، وهناك أيضا زيارات متبادلة بين روسيا وإيران على مستويات رفيعة، لكن التوقيت المحكوم بتطورات العدوان على غزة شكل عنصر المفاجأة، خاصة وأن الحرب
الإسرائيلية على القطاع شكلت أحد أهم الموضوعات التي تناولها خلال لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والذي استمر لخمس ساعات.
إن إحدى النتائج المهمة للعملية التي نفذتها حماس ضد اسرائيل في السابع من تشرين الأول وما أعقبها من هجوم إسرائيلي على غزة، تمثلت، بحسب ما يؤكد مدير قسم الدراسات
اللبنانية في مركز درسات
الشرق الأوسط في طهران محمد خواجوئي لـ"لبنان24"، في تحول أنظار العالم من الحرب الأوكرانية إلى حزب غزة، والخروج النسبي لروسيا من العزلة وإتاحة الفرصة لها لزيادة حراكها السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط. فقبل يوم واحد من زيارة الرئيس رئيسي إلى موسكو، قام الرئيس الروسي بزيارة إلى كل من الإمارات والسعودية.
ولذلك فإن اللقاءات الثلاثة تندرج في سياق التطورات في غزة وما ستؤول إليه الأمور المنطقة في الأسابيع المقبلة على ضوء تدهور الأوضاع في غزة، فهناك قلق إقليمي من احتمال خروجها عن قواعد الاشتباك القائمة حاليا، مع إعلان حكومة بنيامين نتنياهو أمس أن الحرب سوف تستمر شهرا إضافيًا.
وبما أن روسيا ترى أنها تقف في الحرب الأوكرانية في مواجهة الغرب والناتو، فهي تسعى، وفق خواجوئي، جاهدة لاستثمار الحرب على غزة من أجل تقويض جبهة الغرب. ولهذا السبب باتت كفة ميزان المواقف الروسية من التطورات الأخيرة تميل لصالح
الفلسطينيين في مقابل أميركا واسرائيل.
ويعتبر خواجوئي أن استقبال موسكو لوفد حماس في ذروة الحرب على غزة والحيلولة دون التصديق على قرار في
الأمم المتحدة يصنف حركة حماس منظمة إرهابية والتركيز على ضرورة وقف إطلاق النار ووقف الحرب، مؤشر على أن السياسة الروسية تجاه حرب غزة، تقف على طرف نقيض من التوجه الأميركي الداعم بالمطلق لإسرائيل. ويمكن القول إن روسيا تسعى للإفادة من تطورات غزة في نقد وتحدي النظام الأميركي في الشرق الأوسط.
من وجهة نظر روسیا، فإن النظام الأميركي ما بعد الحرب العالمية الثانية والمنظمات الدولية الخاضعة لإمرة واشنطن لم تتمكن فعليا من تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بصورة عادلة ومستدامة. ولذلك تسعى روسيا، كما يقول خواجوئي، لاستثمار الظروف الحالية لإظهار عقم وعدم جدوى هذا النظام وبالتالي تكثيف حراكها.
ومن هنا يرى خواجوئي أن القاسم المشترك
الرئيسي بين ايران وروسيا هو مكافحة التفرد الأميركي في حين أن البلدين يؤكدان على المستوى الفلسطيني ضرورة تطبيق القوانين الدولية، رغم وجود بعض الاختلافات في الرؤى بينهما.
علی هذا الأساس يعتبر خواجوئي،أن موسكو تريد ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة في خطوة لزيادة قدرتها على المساومة في التعاملات المستقبلية مع الغرب، وهي تسعى من خلال التعاطي مع الجانب الفلسطيني والعرب، لاختراق النظام الأميركي.
وتأتي تصريحات بوتين حول أزمة غزة خلال لقائه رئيسي تأكيدا لهذا التوجه الروسي. إذ وصف بوتين الحرب بين
إسرائيل وحماس بأنها "هزيمة للدبلوماسية الأميركية" وقال إن موسكو وعلى خلفية علاقاتها الودية مع إسرائيل والفلسطينيين بوسعها الاضطلاع بدور الوسيط بينهما.
لا شك أن محاولات روسيا التصدي للنظام الأميركي في المنطقة وحراكها المكثف في هذه المنطقة، تشكل الهدف نفسه الذي ينشده قادة طهران.وثمة من يعتبر أن العلاقات الروسية
الإيرانية تحكمها أبعادا ثنائية واقليمية وعالمية.
وبما أن ايران تعتبر أن سياستها الاستراتيجية قائمة على التصدي للوجود الأميركي في المنطقة واعتمدت خلال السنوات الأخيرة سياسة "التوجه شرقا" في خطوة للتقارب من قوى كبرى مثل روسيا والصين، فهي حريصة على أن تبدي الأخيرتان مزيدا من التحرك في الشرق الأوسط، وترحب بدور كهذا، فضلا عن أن الترحيب الايراني بالوساطة الصينية في تحقيق انفراجة في العلاقات بين طهران والرياض في آذار الماضي يمثل هو الآخر مؤشرا على الرغبة الإيرانية في التجاوب مع تزايد الدور الإقليمي لبكين وموسكو في معادلات الشرق الأوسط في مقابل
الولايات المتحدة.
وعليه فإن إيران التي تختلف رؤيتها تجاه القضية
الفلسطينية بعض الشيء عن الرؤية الروسية، ترحب بالجهود الروسية الجديدة الرامية لتكثيف الحراك في المنطقة فيما يخص الحرب في غزة، وترى، أن هذا يمكن أن يشكل مانعا أمام تقويض وإضعاف المحور الذي تقوده ايران تحت عنوان "محور المقاومة" عقب التطورات الأخيرة في غزة.
وتفيد الأنباء الواردة أن رئيسي دعا خلال لقائه بوتين، روسيا إلى التحرك أكثر وبذل الجهود لوقف الحرب على غزة والحد من تغير الواقع الأمني في غزة لصالح إسرائيل وعلى حساب الطرف الفلسطيني.
إن مواجهة الأحادية الأميركية، تشكل أهم قاسم مشترك بين ايران وروسيا. ويبدو، بحسب خواجوئي، أنه مع اشتداد المواجهة بين إيران وروسيا من جهة و الغرب من جهة أخرى في جبهات مثل أوكرانيا والشرق الأوسط، تتجه طهران وموسكو نحو تعميق العلاقات و"الشراكة الاستراتيجية".
وعلى الرغم من التحفظات والحذر اللذين تبديهما روسيا تجاه علاقاتها مع إيران ضمن علاقاتها وتبادلاتها مع كل محاور ودول المنطقة، لكن من وجهة النظر الاستراتيجية، فإن روسيا، بحسب خواجوئي، تنظر إلى
إيران على أنها شريك موثوق به على المديين المتوسط والطويل.