"حكومة سورية وكيانات حكم ذاتي".. هذا ما ستكون عليه سوريا بحسب الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش، في حال لم تتمكن الحكومة السورية من استعادة السيطرة على مدينة حلب، وإيقاف تقدم الفصائل المسلحة بعد الهجوم المباغت الذي شنته الأسبوع الماضي.
يشهد شمال سوريا تصعيدا عسكريا منذ أيام، بدأ مع هجوم مباغت شنّته هيئة تحرير الشام (المصنفة إرهابيا من الأمم المتحدة) مع فصائل مسلحة أخرى، ما أسفر عن خروج حلب، ثاني كبرى مدن البلاد، بالكامل عن سيطرة الجيش السوري لأول مرة منذ اندلاع النزاع عام 2011.
خطر التقسيم يكبر يوميا مع تقدم الفصائل المسلحة ووصولها مشارف مدينة حماة وسط سوريا، فما سيطر عليه الجيش السوري خلال السنوات السابقة بين حلب وحماة، فقده في أسبوع، في وقت تستمر فيه الاشتباكات العنيفة على الحدود الشمالية لمحافظة حماة بين الجيش السوري ومسلحي الفصائل، حتى مساء الثلاثاء 3 كانون الثاني.
ولم تشهد سوريا تصعيداً مماثلاً منذ سنوات، حيث أتاح وقف لإطلاق النار برعاية موسكو وأنقرة عام 2020 تحقيق هدوء إلى حدّ كبير في إدلب التي انطلق منها الهجوم الأخير، لكن توقف المدافع لم يدفع قدما جهود
الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة.. فماذا يعني سيطرة الفصائل المسلحة على حلب والهجوم على حماة؟ وما طريق سوريا لتجنب خطر التقسيم بحسب خبراء سياسيين تحدثوا لوكالة فرانس برس؟
خطر التقسيم: تأسيس كيانات عرقية وطائفية
لا شك أن خسارة حلب تشكل مأزقا للحكومة السورية لا سيما بعد تقدم على المستوى السياسي والدبلوماسي تُرجم باستعادة العلاقات الدبلوماسية تدريجيا مع دول عدة بالإضافة لمقعدها في جامعة
الدول العربية، بحسب الباحث آرون لوند من مركز "سنتشري إنترناشونال" للأبحاث، الذي يقول إنه "ما لم يتمكن الجيش السوري من شن هجوم جديد، أو ترسل
روسيا وإيران دعما إضافيا فلن يستعيد الجيش حلب".
ويضيف الباحث لوكالة فرانس برس "لا يمكن لحكومة مركزية من دون حلب أن تكون فعالة في سوريا".
وبحسب الباحثة في معهد "نيو لاينز" تامي بلاسيوز فإن الجيش السوري، "لا يمتلك الموارد اللازمة لاستعادة حلب، لكن دعم حليفيه، روسيا وإيران، سيمكّنه من استعادة المدينة من دون أن يشمل ذلك على الأرجح البلدات المحيطة.
ويتوقع الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش أن تقود التطورات الميدانية المتسارعة إلى "تقسيم دائم لسوريا"، ذلك أن "إعادة توحيدها أمر صعب" من دون حلب.
ويوضح أن الجيش السوري يستطيع الحفاظ على وجوده في المنطقة الساحلية بفضل الوجود الروسي فيها، بجانب حمص ودمشق، بينما يبقى شمال غرب البلاد تحت سيطرة مسلحي هيئة تحرير الشام والفصائل الموالية لتركيا. أما قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، فستحتفظ بالجزء
الشمالي الشرقي، بشرط استمرار الوجود الأميركي" لصد أي هجوم
تركي.
ويعتقد الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش "سنكون أمام حكومة سورية وكيانات حكم ذاتي غير معترف بها، لكنها مبنية على أسس عرقية وطائفية متينة".
اختبار لخطوط دفاع الجيش السوري
هجوم الفصائل يشكّل "اختبارا لخطوط دفاع الجيش السوري"، بحسب رأي الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جيروم دريفون، الذي يضيف: "أعتقد أنهم تفاجأوا بأن الجيش كان أضعف مما توقعوا".
وتُظهر سيطرة الفصائل على حلب، بحسب دريفون، أن "الصراع لم يكن خاملا بل نشطا، وأن
إيران وروسيا إما لم تتمكنا أو لم ترغبا حقا بحماية الحكومة السورية في موقع أساسي مثل محافظة حلب.
وفي عام 2016، تمكن الجيش السوري من استعادة أحياء حلب الشرقية، بعدما شكلت لسنوات معقلا للفصائل المسلحة، بعد قصف مدمر وحصار خانق، وتم ذلك بدعم من حلفائه خصوصا روسيا التي تدخلت جوا وكرست حضورها العسكري في الميدان.
الأكراد.. هدف للفصائل أيضا
بدأت هيئة تحرير الشام، (جبهة النصرة سابقا) وفصائل حليفة لها، هجوما واسعا في 27 تشرين الثاني ضد الجيش السوري في محافظة حلب، المحاذية لمعقلها في محافظة إدلب المجاورة، وخاضت اشتباكات شرسة مع الجيش السوري، أوقعت عشرات القتلى من الجانبين.
في غضون أيام، تمكنت الفصائل من بلوغ مدينة حلب، الرئة الاقتصادية لسوريا قبل اندلاع النزاع، ثم سيطرت على كافة أحيائها باستثناء أحياء في شمالها تقع تحت سيطرة مقاتلين أكراد، وتمّ ذلك بعد انسحاب قوات الجيش السوري من مواقعه، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وشهود
عيان لوكالة فرانس برس.
وبذلك، خرجت المدينة بالكامل لأول مرة عن سيطرة الحكومة السورية منذ اندلاع النزاع عام 2011.
وسيطرت الفصائل تباعاً على مطار حلب الدولي، ثم على عشرات البلدات والمدن في محافظتي إدلب وحماة حيث تدور اشتباكات عنيفة، الثلاثاء، مع سعي المقاتلين التقدم باتجاه مدينة حماة، بالتزامن مع عشرات الضربات الجوية الروسية والسورية.
وبموازاة هجوم هيئة تحرير الشام، بدأت فصائل سورية مسلحة موالية لأنقرة تنتشر في مناطق نفوذها قرب الحدود السورية التركية، هجوما منفصلا، السبت، في محيط مدينة حلب.
وخاضت اشتباكات على محورين: ضد الجيش السوري في شرق المدينة حيث سيطرت على مطار عسكري، وضد القوات الكردية في شمال المدينة حيث سيطرت على مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة القوات الكردية، المدعومة أميركيا والتي تصنفها أنقرة "منظمة إرهابية" وقد شنت ضدها هجمات عدة قرب حدودها.
ويجري منذ الإثنين، إجلاء عشرات الآلاف من الأكراد من محيط حلب والذين كانوا فروا سابقا إلى تل رفعت بعد هجمات تركية على مناطقهم في المحافظة.
(بلينكس - blinx)