يشهد
الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية، تبرز فيها
بوادر سلام او استقرار واسع تسعى
الولايات المتحدة إلى ترسيخه في مختلف ساحات الصراع. هذا السلام لا يأتي فقط كجزء من استراتيجية أميركية بعيدة المدى، بل يحمل أيضاً أبعاداً شخصية للرئيس الأميركي
دونالد ترامب، الذي يبدو حريصاً على تحقيق إنجاز دولي كبير قد يؤهله لنيل
جائزة نوبل للسلام.
الهدف الأميركي الأوضح هو التفرغ لمواجهة التحديات المتصاعدة مع
الصين، والتي باتت تمثل أولوية قصوى على جدول
الأمن القومي الأميركي. لتحقيق هذا الهدف، تعمل
واشنطن على خفض حدة التوترات في الشرق الأوسط، من خلال الدفع نحو تسويات شاملة في الملفات الساخنة، بدءاً من النزاع
الفلسطيني الإسرائيلي، وصولاً إلى الملفات الإقليمية الأخرى.
في هذا السياق، تبدو الحرب في غزة أقرب إلى نهايتها، رغم استمرار العمليات الميدانية، حيث تسير الأمور نحو تسوية ستُرسي قواعد جديدة للتهدئة، بصرف النظر عن تفاصيل التوازنات التي ستلي ذلك. كما أن الحديث عن اتفاق محتمل بين
سوريا وإسرائيل لم يعد خارج الحسابات، خاصة إذا ترافق مع تفاهمات تركية إسرائيلية وخليجية تركية، وهو ما يعكس تغيراً كبيراً في تموضع
القوى الإقليمية.
في
لبنان، تتجه الساحة أيضاً نحو التهدئة. فهناك إدراك داخلي لأهمية الاستقرار في المرحلة المقبلة، مع تركيز الجهود على تعزيز الوضع الداخلي ومعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. ومع استقرار الوضع الإقليمي، يصبح الحفاظ على حالة من التوازن الداخلي أولوية يتشارك فيها مختلف الأطراف.
أما
إيران، فالتفاوض يعني المزيد من الانفتاح والتفاهمات الأميركية
الإيرانية المحتملة، والتي قد تفضي إلى اتفاق نووي جديد ورفع
العقوبات، تفتح الباب أمام دور إيراني أكثر انخراطاً في جهود الاستقرار، خصوصاً إذا تم تعزيز هذا المسار بمصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة.
كل هذه التطورات تشير إلى أن المنطقة أمام لحظة مفصلية. قد لا تكون التحولات مفاجئة، لكنها تُبنى بخطوات ثابتة نحو استقرار شامل. هذا الاستقرار، الذي يتشكل تدريجياً، يحمل معه آفاقاً جديدة للتعاون، ويؤسس لمرحلة طويلة من الهدوء والبناء، تمهد لشرق أوسط مختلف، أكثر توازناً واستقراراً.