كتب موقع 24.ae:
كان للعقوبات على
سوريا أن تمتدَّ لعام أو أعوام مقبلة لاعتبارات منها غموض
المستقبل السياسي في سوريا، وتحفظاتُ البعض على القيادة الجديدة، أو مخاوف قوى مثل
إسرائيل. فالولايات المتحدة لا ترفع الحظر إلا بعد اختبار طويل، فقد سبق أن سلَّمت ووقعت اتفاقاً مع طالبان، ولا تزال أفغانستان تحت طائلة
العقوبات الاقتصادية منذ أربع سنوات. كما أن الاختلاف حول رفع العقوبات من عدمه محتدم داخل الإدارة الأميركية نفسها.
لهذا جاء اللجوء مباشرة إلى
الرئيس دونالد ترامب، وعبر حليف موثوق هو
السعودية، فكان أقصر الطرق. ويتطلّب جهوداً مكملة من قبل حكومة
الشرع التي عليها أولاً أن تقدّم المزيد من التطمينات باحتواء القوى المحلية، وحماية الأقليات، وبذل المزيد ضد الفكر المتطرف الذي سيهدّد سلطة أحمد الشرع نفسَها ما لم تحاربه.
وجهة نظر الذين يعارضون رفع العقوبات ترتكز على أن النظام الجديد هو تنظيم مصنَّف إرهابياً، وعليه أن يثبت العكس. وهناك مطالب اشترطتها الحكومة الأميركية، خمسة منها أشار إليها
ترامب بعد لقائه الشرع. أولها إخراج المقاتلين الأجانب، والثاني المساعدة في محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا، والثالث إبعاد التنظيمات
الفلسطينية، وتولي إدارة مراكز احتجاز مقاتلي "داعش"، والخامس، التوصل إلى علاقة مع إسرائيل.
لكن قبل الخوض في إمكانية تنفيذ هذه الشروط على حكومة الشرع، من المناسب الترافع حول لماذا يستحق النظام السوري الجديد أن يعطى "الفرصة"، كما سماها ترامب.
أولاً الشرع ونظامه في سوريا هو حقيقة وأمر واقع على الجميع التعامل معه، وهو الحال مع أنظمة أخرى في المنطقة فيها ميليشيات وتتعاون معها. والواقع يقول إن تغيير النظام الجديد ليس مطروحاً، والعودة للحرب مرفوضة، والشعب السوري يستحق أن يخرج من النفق المظلم.
ثانياً، إبعاد النفوذ
الإيراني من سوريا نتيجة ذات قيمة كبيرة غيَّرت مسار تاريخ المنطقة ومستقبلها وليس فقط سوريا. وحرَّرت
الشمال العربي، سوريا ولبنان وفلسطين. ولولا التوغل الإيراني في
دمشق ونتائجه الوخيمة على المنطقة، ربما ما تغيَّر الوضع القديم. إضعاف النظام الجديد سيعيد
إيران سواء نتيجة الفوضى المحتملة أو ضعف دمشق.
الثالث، أن إعادة العقوبات أسهل من رفعها، في حال اتضح أن دمشق لم تفِ بوعودها. أما العكس، عدم رفعها، سيشجّع على التمرد والفوضى، أو دفع دمشق نحو محاورَ أخرى تتسبَّب في المزيد من التوتر الإقليمي.
الرابع، إسرائيل اليوم هي ضابط الإيقاع في تلك المنطقة. ولا يمكن مقارنة دمشق بكابل وحكومة الشرع بطالبان التي لا يجاورها من يوازنها. دمشق في مرمى القوات
الإسرائيلية التي أصبحت تتمتع بهيمنة واسعة وترسم لجيرانها خطوطاً حمراء تشمل أنواع السلاح والمسافات والمواقع، وبالتالي إسرائيل أصبحت الضامن لاعتباراتها هي. ولبنان اليوم نموذجٌ تحت الهندسة الأمنية الإسرائيلية.
بين القبول بالأمر الواقع، والمخاوف من الفوضى، والعودة
الإيرانية فإن خيار
المجتمع الدولي والإقليمي الأسلم هو إعطاء دمشق ما تحتاجه لإعادة الحياة لهذا البلد المدمر. ومن حق الجميع أن يضعوا شروطهم التي تهدف لاستقرار سوريا وأمن المنطقة معاً. سوريا تقع في قلب منطقة الأزمة، وفي حال تركها ستهددها الفوضى ونتائجها الوخيمة مؤكدة، ليبقى الخيار الأهون منحها الفرصة مع ما قد تحمله من «مغامرة» يمكن التعامل معها في أسوأ الأحوال.
التعاون العربي مع دمشق عن قرب اليوم، خير من محاولة تدارك الوضع مستقبلاً. ولو جئنا بعد عام أو عامين نحاول إصلاح الوضع، فالأرجح سيكون الكسر أصعبَ على الجبر. ويمكن القول إنه ما بين 7 كانون الأول الماضي وحتى اليوم، بين المخاوف والآمال، قدمت حكومة الشرع أدلةً على انفتاحها واستعدادها للتعاون، وبالتأكيد المتوقع منها أبعد من ذلك. (24)