تعود المحادثات النووية الإيرانية الأميركية إلى الواجهة، وهذه المرة من العاصمة الإيطالية روما، حيث تُعقد، اليوم الجمعة، الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، بوساطة سلطنة عُمان، وسط توقعات متشائمة بإمكان إحراز تقدم حقيقي، في ظل تمسك كل طرف بموقفه من مسألة تخصيب اليورانيوم، التي باتت تشكل العقدة الأساسية في مسار التفاوض.
وتُعد هذه المحادثات الأعلى مستوى بين الجانبين منذ انسحاب
الولايات المتحدة من الاتفاق
النووي عام 2018، في عهد الرئيس السابق
دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات مشددة على
إيران ضمن سياسة "الضغوط القصوى". اليوم، وبينما تسعى إدارة
ترامب مجددًا للعب دور تفاوضي في الملف النووي، تطرح طهران شروطًا تبدو صعبة التجاوز، في وقت يعاني فيه اقتصادها من وطأة
العقوبات.
التخصيب عقدة مستعصية
يبرز تخصيب اليورانيوم كنقطة خلافية مركزية بين الطرفين. ففي حين شدد الموفد الأميركي إلى
الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، على أن بلاده "لا يمكن أن تقبل حتى بنسبة 1٪ من قدرة التخصيب"، ترى إيران أن هذا الشرط يتعارض مع حقها السيادي بموجب الاتفاق الدولي لعام 2015، الذي حدد نسبة التخصيب عند 3.67٪.
لكن، وفقًا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن طهران تخصّب حاليًا بنسبة تصل إلى 60٪، وهي نسبة تقترب من عتبة الاستخدام العسكري (90٪)، الأمر الذي يثير قلق الغرب وإسرائيل على السواء.
وفيما قال المرشد
الإيراني علي خامنئي إن بلاده "لن تنتظر إذن أحد لتخصيب اليورانيوم"، أكد
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن طهران منفتحة على "عمليات تفتيش إضافية"، لكنها ترفض التخلي عن حق التخصيب. وأضاف: "إذا كان هدف
واشنطن وقف التخصيب، فلن يكون هناك اتفاق".
قلق إسرائيلي وتحذيرات متبادلة
الشكوك الغربية، ولا سيما
الإسرائيلية، حيال أهداف البرنامج النووي الإيراني، دفعت شبكة "
سي إن إن" الأميركية إلى نقل تقارير عن تحضيرات إسرائيلية محتملة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وسط تحذير مباشر من طهران بأن "الولايات المتحدة ستكون مسؤولة قانونيًا" في حال حدوث هجوم من هذا النوع.
في المقابل، تؤكد إيران أن برنامجها سلمي بالكامل، ويشغّل أكثر من 17 ألف شخص في مجالات الطاقة والطب، مشيرة إلى أن دولًا مثل هولندا وكوريا الجنوبية واليابان تقوم بعمليات تخصيب دون امتلاك سلاح نووي.
توقيت حساس
تأتي الجولة الخامسة من المحادثات قبل أسابيع من اجتماع مهم لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حزيران، والذي يتوقع أن يناقش النشاط النووي الإيراني على ضوء التطورات الجارية. ومن المرجح أن تؤثر مخرجات اجتماع روما على مسار هذا الاجتماع، وسط مخاوف من إعادة فرض العقوبات الدولية في حال استمرت طهران في خرق التزاماتها.
وبينما يقترب موعد انتهاء الاتفاق النووي رسميًا في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، يبقى الاتفاق فعليًا "حبراً على ورق"، كما وصفه دبلوماسيون غربيون، مع تهديدات أوروبية واضحة بإعادة فرض العقوبات إذا ما تبيّن أن البرنامج الإيراني يهدد الأمن
الأوروبي.
إلى أين تتجه المفاوضات؟
رغم المبادرات العُمانية وتلميحات إيران إلى الشفافية، تبدو الهوة لا تزال واسعة بين طهران وواشنطن. فالجانب الإيراني يضع التخصيب في خانة "الكرامة الوطنية"، بينما تعتبره الولايات المتحدة "خطًا أحمر".
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، تبدو جولة روما مجرد محطة أخرى في مسلسل طويل من المفاوضات المتعثرة، حيث يراوح التقدم مكانه، والخطر يتعاظم.