ذكرت مجلة "Foreign Policy" الأميركية أن "الدبلوماسية الجارية بين
إيران والولايات المتحدة تعطي أملاً حذراً في ما يتعلق بكسر الجمود بشأن البرنامج النووي
الإيراني. ولكن إذا رفضت إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم ونقل مخزونها إلى الخارج، كما تطالب
واشنطن، وانهارت المحادثات، يفترض كثيرون أن
الولايات المتحدة أو
إسرائيل سوف تلجأ إلى توجيه ضربات جوية ضد البنية الأساسية النووية
الإيرانية".
وبحسب المجلة، "إن منطق سياسة "إما أن تمتثل أو يتم قصفك" مُغرٍ، فهو يرتكز على اعتقاد بأن إيران ضعيفة حاليًا، وبالتالي يُمكن إجبارها على قبول مطالب مُبالغ فيها. وتُصوَّر
إيران على أن دفاعاتها الجوية متدهورة، واقتصادها متضرر، وسياستها الداخلية هشة، وشبكة وكلائها ضعيفة. في الواقع، لقد أدى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة في عام 2020 إلى تراجع محور المقاومة الإيراني. وأثار هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 ردًا عنيفًا ضد حماس في غزة وحزب الله في
لبنان، مما عجّل من تراجع نفوذهما. ويمثل سقوط نظام بشار
الأسد في
سوريا أخطر انتكاسة استراتيجية لإيران منذ عقود، وهي انتكاسة تُضاهي الإطاحة بآخر شاه للبلاد عام 1979".
ورأت المجلة أن "إيران ليست ضعيفة كما تبدو. فبدلاً من حل المأزق الدبلوماسي الحالي، من المرجح أن تُشعل الضربات العسكرية حربًا ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها. ورغم تراجع قوة إيران الإقليمية، إلا أنها لا تزال قوة لا يمكن تهميشها. لقد ضعفت حماس وقُتل العديد من قادتها، لكنها لم تُهزم. ورغم القصف
الإسرائيلي المتواصل والعمليات البرية، عززت حماس صفوفها ولا تزال تحتجز رهائن، كما ويُنذر استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة بتأجيج التمرد. وتشير الزيارة التي قام بها كبار قادة حماس إلى طهران في شباط الماضي إلى أن العلاقات لا تزال مستمرة. من جانبه، تلقى
حزب الله ضربات موجعة، فقد أسفرت الغارات
الإسرائيلية عن اغتيال أمينه العام وكبار قادته، وتدمير مخازن صواريخ وخطوط إمداد. ومع ذلك، لا يزال حزب الله مسلحًا، وله أهمية سياسية من خلال تحالفه مع حركة أمل. وحتى في حالة ضعفه، قد يردّ إذا تعرضت إيران لهجوم. ورغم انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، فإن بقايا نظام الأسد والأقلية العلوية ربما لا تزال توفر لإيران القدرة على تسليح حزب الله. ورغم النكسات التي واجهتها إيران، فإن إسرائيل لم تنجح بعد في ترجمة نجاحاتها في ساحة المعركة إلى انتصارات استراتيجية مستدامة ودائمة".
وتابعت المجلة، "في غضون ذلك، تتواجد إيران في العراق بشكل كبير من خلال وحدات الحشد الشعبي، وتقاوم نزع السلاح والخلايا النائمة المحتملة، كما وتحافظ على علاقات وثيقة مع رجال الدين الشيعة والحكومة في بغداد، التي تُعدّ الآن أحد أهم شركائها التجاريين. هذه الشبكات قد تُهدد المصالح الأميركية في حال تعرض إيران لهجوم. وفي اليمن، أصبح الحوثيون الحليف الأكثر صمودًا لإيران، إذ وسّعوا نفوذهم إلى حدود المملكة العربية
السعودية، وعطّلوا حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهاجموا إسرائيل الشهر الماضي، حيث أفادت التقارير باختراقهم الدفاعات قرب مطار بن غوريون. كما وفشلت حملة قصف أميركية حديثة في تدميرهم. إذاً، من شبه المؤكد أن الحوثيين سيدعمون طهران إذا تعرضت لهجوم".
وبحسب المجلة، "حققت إيران مؤخرًا مكاسب دبلوماسية ملحوظة، فقد طبّعت علاقاتها مع كل دول الخليج العربي، ودخلت في تفاهم مع المملكة العربية السعودية، وهي الدولة نفسها التي حثّت واشنطن سابقًا على "قطع رأس الأفعى" في طهران. واليوم، تدعم كل دول الخليج إيجاد حل سلمي للأزمة النووية. كما ووطّدت طهران علاقاتها مع الصين وروسيا. ففي عام 2021، وقّعت اتفاقيةً مدتها 25 عامًا مع الصين، وصادقت مؤخرًا على اتفاقيةٍ مدتها 20 عامًا مع
روسيا. وتهدف الاتفاقيتان إلى توسيع التعاون في مجالاتٍ مثل الدفاع والاقتصاد. وفي حال نشوب حرب، لن تدافع بكين وموسكو عن إيران مباشرةً، ولكن يُمكن لكليهما دعم المجهود الحربي الإيراني بطرقٍ أخرى".
وتابعت المجلة، "يدعو بعض المتشددين إلى تفكيك برنامج التخصيب الإيراني بالكامل، إما سلميًا، على غرار ما فعلته ليبيا عام 2003، أو عبر ضربات دقيقة. ولكن على النقيض من الجهود الأولية التي بذلها رئيس الوزراء الليبي السابق معمر القذافي، فإن برنامج إيران متقدم ومدفون جزئيا أو بالقرب من المدن. وبعد إنفاق مليارات الدولارات وتحمل العقوبات، أصبحت إيران الآن قوة نووية على عتبة النجاح، إذ تخصب اليورانيوم بنسبة 60% خلال أشهر قليلة فقط. بالنسبة لطهران فإن قبول النموذج الليبي سيكون بمثابة انتحار خوفاً من الموت".
وبحسب المجلة، "ستعتبر طهران أي ضربة إسرائيلية عملية أميركية-إسرائيلية مشتركة، معتقدةً أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة على التحرك منفردةً، وقد يتصاعد الهجوم الإسرائيلي بسرعة إلى صراع أوسع، حيث تتولى إسرائيل مسؤولية الهجوم وتتولى الولايات المتحدة مسؤولية الدفاع. وفي غياب تغيير للنظام أو غزو بري، وكلاهما مستبعد، من المرجح أن تُؤخر الضربة البرنامج النووي الإيراني، لا أن تُدمره، كما وقد تُسبب تداعيات إشعاعية، ووفيات بين المدنيين، وأضرارًا بيئية. من المرجح أن تنسحب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتطرد المفتشين، وتُسرّع عملية صنع القنابل، وتُعسكر سياساتها، وتُهمّش المعتدلين الساعين إلى التعاون مع الولايات المتحدة".
وتابعت المجلة، "ماذا لو هاجمت إيران وبقايا محور المقاومة قواعد أميركية، أو مدنًا إسرائيلية، أو مواقع طاقة في الخليج العربي؟ وماذا لو عطّلت طهران مضيق هرمز، وبدعم من الحوثيين، مضيق باب المندب في آنٍ واحد؟ قد يؤدي هذا التهديد وحده إلى ارتفاع أسعار النفط، واهتزاز الأسواق العالمية، وعرقلة الانتعاش الاقتصادي. إذاً، ما هي خطة الولايات المتحدة للخروج إذا ردّت إيران؟ المزيد من القصف؟ إن استمرار الصدام الأميركي الإيراني يتعارض مع تعهد
ترامب الانتخابي بتجنب المزيد من "الحروب التي لا تنتهي"، ومن المرجح أن يُعرقل تحول المنطقة البطيء من الحرب إلى التنمية الاقتصادية. وفي حين ستكون تكلفة أي مواجهة عسكرية أكبر بكثير بالنسبة لإيران، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ستدفعان ثمنًا باهظًا أيضًا".
وبحسب المجلة، "يعتقد البعض أن الضربات العسكرية قد تؤدي إلى انهيار الجمهورية الإسلامية أو تُشعل انتفاضةً تُشلّ ردّها الانتقامي. لكن هذا بعيد التحقق، فالنظام يسير على مسارٍ هشّ، لكنه ليس على شفا الانهيار. وفي الواقع، قد يمنح الهجوم على إيران الهجوم طوق نجاة. قد يعتقد الغرب أنه قادر على إكراه إيران بالتصعيد العسكري، لكن كل ما قد يُحققه هو تجاوز استراتيجي قد يندم عليه في النهاية. في الواقع، يُعدّ الاتفاق النووي، القائم على التنازلات المتبادلة، وعمليات التفتيش، وتخفيف العقوبات، أقلّ الطرق خطورةً للمضي قدمًا".