ذكر موقع "
سكاي نيوز عربية" أنه في الوقت الذي تزداد فيه الضربات الأميركية والإسرائيلية دقة وإيلاما على البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية للحوثيين في اليمن، يبدو الفصيل المسلح في صنعاء أكثر احتياجا من أي وقت مضى لحليفه
الإيراني.
دفع هذا الواقع الجديد الحوثيين إلى إرسال طلب صريح إلى السفير الإيراني في صنعاء، علي محمد رمضاني، لزيادة الدعم المالي والعسكري بشكل عاجل، في مسعى لتغطية عجز كارثي في الموازنة التشغيلية للجماعة، خاصة ما يتعلق برواتب المقاتلين ونفقات الجبهات الداخلية.
لكن السؤال الأبرز الآن: هل تستطيع
إيران، في ظل أزمتها الاقتصادية وضغوطها الإقليمية والدولية، الاستجابة لهذا النداء؟ وما هي السيناريوهات المحتملة إذا تجاهلت
طهران نداء حلفائها في صنعاء؟
بحسب ما نقلته مصادر يمنية، تراجعت موازنة الحوثيين إلى ما يقارب النصف خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا في ما يتعلق برواتب العسكريين ونفقات الجبهات الداخلية.
ويعود هذا الانهيار المالي إلى عدة أسباب متراكبة، أبرزها
العقوبات الأميركية الأخيرة على الكيانات الحوثية المالية، وتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، بالإضافة إلى الضربات الجوية المركزة التي نفذتها
إسرائيل مؤخرا ضد منشآت اقتصادية حيوية تقع تحت سيطرة الجماعة، كميناء الحديدة ومخازن
النفط ومصانع الإسمنت في باجل وعمران، بل وحتى مطار صنعاء ومحطات الكهرباء.
ووصف فواز منصر، محرر الشؤون اليمنية في "سكاي نيوز عربية"، هذه المرحلة بـ"الخانقة اقتصاديا" للحوثي، موضحا أن "هناك تراجعا كبيرا في مصادر الدخل التي كانت تعتمد عليها الجماعة، خاصة السوق السوداء ونشاط الموانئ والضرائب المفروضة على التجار".
وأضاف: "
الغارات الإسرائيلية لم تقتصر على مواقع عسكرية بل طالت منشآت اقتصادية حيوية، ما أدى إلى تجفيف موارد الحوثيين".
ولا تقتصر أزمة الحوثيين فقط على الاستهداف الخارجي، بل تتفاقم أيضا بفعل هروب المؤسسات المالية والتجارية من صنعاء إلى عدن، تحت ضغط العقوبات والخوف من التصنيف الإرهابي.
القوة الصاروخية
رغم العجز في تمويل الجبهات الداخلية، ما زالت القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر للحوثي تعمل بكفاءة، وتنفذ عمليات عسكرية ضد السفن في البحر الأحمر وضد إسرائيل. فكيف تستمر هذه العمليات رغم الانهيار المالي؟
أوضح فواز منصر أن "هذه القوة النوعية ممولة بالكامل من إيران، حيث تتولى طهران تمويل تهريب الأسلحة، تشغيل الورش، صيانة الصواريخ، ودفع رواتب الفرق الفنية التي يشرف عليها خبراء من فيلق
القدس"، مضيفًا: "الميزانية التشغيلية لهذا القطاع مفصولة تماما عن باقي موازنات الجماعة".
هذا يفسر كيف أن الحوثيين ما زالوا قادرين على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة رغم عجزهم عن دفع رواتب المقاتلين في الجبهات الداخلية. قال منصر: "طهران تموّل ما تعتبره استثمارا استراتيجيا في ساحة قتال بعيدة عن حدودها، لكن فعالة في الردع".
إيران والاختبار الصعب
طلب الحوثيين الأخير برفع الدعم المالي والعسكري إلى مستويات جديدة وضع طهران أمام معادلة معقدة. فمن جهة، تعتبر إيران الحوثيين أحد أبرز أذرعها الخارجية، ومن جهة أخرى، تواجه الجمهورية الإسلامية ضغوطا اقتصادية متصاعدة، وتتعرض لاحتمالات مواجهة عسكرية مع إسرائيل أو
الولايات المتحدة في أي لحظة.
لكنّ منصر يعتقد أن إيران لن تتخلى عن حلفائها في اليمن: "الجماعة أثبتت لطهران أنها صامدة، ومخلصة، ومتهورة بالقدر الكافي لتنفيذ أجندة الحرس الثوري في المنطقة. ولهذا قد يعاد توجيه بعض التمويل الذي كان يذهب لحزب الله إلى اليمن"، مضيفا: "الحوثيون الآن هم الذراع التي تدافع عن إيران خارج حدودها... طهران تلعب ورقة اليمن كلما شعرت بتهديد مباشر".
إن طلب الحوثيين العاجل من إيران ليس مجرد نداء لدعم مالي، بل هو إنذار استراتيجي يعكس حجم الضغط العسكري والاقتصادي الذي يواجه الجماعة.
إيران، وإن كانت لا تزال متمسكة بحلفائها في اليمن، تقف اليوم أمام اختبار واقعي: هل تواصل الاستثمار في الحوثيين كورقة ضغط إقليمية؟ أم تراجع حساباتها وسط تزايد التهديدات على حدودها؟.
الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل الحوثيين، بل أيضًا معادلة الصراع الإقليمي برمّته. والأكيد أن القادم، كما تشير كل المؤشرات، سيكون أكثر اضطرابًا من الحاضر.