نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية تقريراً جديداً قالت فيه إن مصير البرنامج النووي الإيراني ومحاولات الولايات المتحدة وإسرائيل لتدميره، قد يتوقفان على أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لدى طهران، بنسبة تقارب الحد الأدنى المطلوب لصنع السلاح النووي".
وذكر التقرير أنه" بعدما أسقطت قاذفات الشبح الأميركية قنابل ضخمة من طراز مخترقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل على المواقع النووية الرئيسية في
إيران، أعلن الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب أن "منشآت التخصيب النووي الأساسية تم تدميرها بالكامل وبشكل تام".
هل تم تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
يقول التقرير إنه "على الرغم من عدم وجود شك كبير في أن منشآت نطنز وفوردو وهما المركزان الرئيسيان لتخصيب اليورانيوم قد تعرضتا لأضرار بالغة، فإن منشأة ثالثة في أصفهان، تستخدم في دورة الوقود النووي وأيضاً للتخزين، استهدفت بصواريخ كروز من نوع توماهوك أطلقت من غواصة أميركية".
وأضاف: "لكن في الوقت الذي تقوم فيه إدارة
ترامب بتقييم الأضرار، يظل السؤال الأهم: هل تم تدمير البرنامج النووي الإيراني فعلاً؟ أم أنه تم نقله إلى منشآت سرية أصغر يصعب رصدها؟".
الإجابة بحسب الصحيفة، تتعلق بشكل كبير بمصير مخزون إيران البالغ 408 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة جداً من 90% اللازمة لصنع سلاح نووي.
ويقول ريتشارد نيفيو، المسؤول الأمريكي السابق في إدارتي أوباما وبايدن للصحيفة: "الأمر يعتمد على المادة وأين هي.. استناداً إلى ما رأيناه حتى الآن، لا نعرف أين المادة. وليس لدينا ثقة حقيقية بأننا سنتمكن من الوصول إليها قريباً".
وتابع: "أعتقد أنه من السذاجة القول إن البرنامج تأخر لأكثر من بضعة أشهر".
من جانبه، قال
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو: "لا أحد سيعرف على وجه اليقين لبضعة أيام" ما إذا كانت إيران حاولت أو استطاعت نقل اليورانيوم المخصب.
وأوضح لقناة "سي.بي.سي" قائلاً: "أشك أنهم تمكنوا من نقله، لأنه لا يمكنك نقل أي شيء الآن. فبمجرد أن تتحرك شاحنة، تكتشفها
إسرائيل وتستهدفها فوراً".
لكن مصدراً من داخل النظام الإيراني قال لـ"فايننشال تايمز" إن الاحتفاظ باليورانيوم المخصب في تلك المواقع كان سيكون "تصرفاً ساذجاً جداً"، مضيفاً: "اليورانيوم المخصب لم يمس".
وأكد هذا المصدر أن إيران التي لطالما أصرت على أن برنامجها سلمي ومدني لا تسعى لتسليح برنامجها النووي. إلا أن تصاعد التوتر مع إسرائيل دفع بعض المسؤولين الإيرانيين إلى التلميح بإمكانية مراجعة العقيدة النووية للبلاد.
وحذر محللون من أن طهران قد تسارع إلى تطوير قنبلة نووية في منشآت سرية إذا شعرت باليأس أو الحاجة لتعزيز الردع.
من جهته، قال علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى، إن القدرات النووية
الإيرانية ما زالت قائمة.
وكتب على منصة "آكس": "حتى لو تم تدمير المواقع النووية، لم تنته اللعبة"، وأضاف: "المواد المخصبة، والمعرفة المحلية، والإرادة السياسية ما زالت موجودة".
ووفقاً لريتشارد نيفيو، فإن اليورانيوم المخصب كان موجوداً في منشأة نطنز، ومنشأة فوردو المحصنة تحت جبل قرب مدينة قم، وأنفاق في موقع أصفهان. ويتم تخزين هذه المواد بعد تبريدها في شكل مسحوق داخل أسطوانات كبيرة.
ومكّن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ضمن مخزون إجمالي يتجاوز 8400 كغ، أغلبه منخفض التخصيب، طهران من إنتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصنع عدة قنابل نووية خلال أيام فقط، إذا ما اختارت ذلك. إلا أن تحويلها إلى سلاح فعلي قد يستغرق شهوراً أو حتى عاماً، بحسب الخبراء.
الخطر الأكبر
الخطر الأكبر، وفقاً لمحللين، كان دائماً في احتمال أن تنقل إيران مخزونها النووي إلى مواقع سرية تحتوي على أجهزة طرد مركزي متطورة تم تركيبها خفية، بعد أن تبدأ إسرائيل عمليات القصف.
وقال نيفيو: "العناصر المجهولة في هذه القصة تقتلنا حرفياً"، وتابع: "إذا كان لديهم خط لتحويل اليورانيوم، وتمكنوا من الوصول إلى تخصيب بنسبة 90% في فوردو قبل قصفه، وكان لديهم حوالي 8 إلى 9 أيام، فإن ذلك قد يكون كافياً لصنع قنبلتين".
يذكر أن دولاً مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية تمكنت من تطوير برامج نووية سرية رغم الرقابة الشديدة والعقوبات الأميركية.
من ناحيتها، قالت سيما شاين، الخبيرة السابقة في جهاز الموساد
الإسرائيلي، إنها مقتنعة بأن إيران قامت بنقل المواد المخصبة، مشيرة إلى أن "لديهم ما يكفي من اليورانيوم المخصب، وأخذوا بعض أجهزة الطرد المركزي المتطورة إلى أماكن أخرى، كي يتمكنوا يوماً ما من الوصول إلى السلاح النووي... البرنامج لم يدمر بالكامل، مهما قالت
الولايات المتحدة".
وقال مسؤول إسرائيلي إن في حال استئناف المحادثات بين
واشنطن وطهران بشأن برنامج إيران النووي السلمي، فقد يطالب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بتسليم أي مخزون من اليورانيوم عالي التخصيب ونقله خارج البلاد.
واعترف مسؤول إسرائيلي آخر بإمكانية أن تكون إيران قد هربت جزءاً من مخزونها المخصب، لكنه أضاف أن بعد اغتيال إسرائيل لما لا يقل عن 11 عالماً نووياً إيرانياً، فإن النظام سيواجه صعوبة في إنتاج سلاح نووي "مصغر وفعال".
وقال علي فائز، الخبير في الشأن الإيراني لدى "مجموعة الأزمات الدولية": "هذه هي نهاية البرنامج النووي الإيراني كما كنا نعرفه. وإذا بقي البرنامج، فإما أن يتحول إلى مشروع سري لتطوير سلاح نووي، أو يتحول، في حال التوصل إلى اتفاق، إلى برنامج مدني خاضع لقيود شديدة لا تشمل تقنيات دورة الوقود النووي". (24)